روسيا، البعبع الدائم لاوربا الغربية!؟

الاسباب الجغرافية والتاريخية والدينية؟!

سليم مطر ـ جنيف

 RUSSIA

جميع البلدان والمجموعات الاقليمية تتحكم بها ثوابت تاريخية باطنية، نابعة من موقعها الجغرافي الذي يفرض عليها: مساحة ما.. بيئة ومناخ خاص.. ثروات طبيعية معينة.. جيران: حلفاء او طامعين، اقوياء او ضعفاء.. الخ . كل هذه العوامل والمؤثرات الجغرافية الداخلية والمحيطة هي التي تحدد وترسم تاريخ ذلك البلد او المجموعة الاقليمية:( اوربا الغربية، الشرقية، الشرق الاوسط، العالم العربي.. الخ...).

لهذا فان معرفة الجغرافيا والتاريخ من اولى شروط دراسة (هوية أي وطن وشعب) وكذلك العلاقات بين الاوطان ومعرفة الدوافع الواعية وغير الواعية التي تتحكم بها.

الخوف الغربي من روسيا

يتفق بعض الباحثيين الغربيين على فكرة ان العداء والخوف الغربي من روسيا، ليس نتاج الحاضر ولا يعود لأسباب سياسية وحزبية، كما يدعي الخطاب الغربي، بل هو(عقدة تاريخية مـتأصلة) تُعبّر عن نفسها بمختلف الحجج.

هنالك حقائق تاريخية طالما تم تناسيها:

ـ ان روسيا عمرها لم تغز (اوربا الغربية) ولكن (اوربا الغربية) فقط خلال قرن غزت روسيا مرتين:

ـ مرة من قبل نابليون الفرنسي(1812) ومرة من قبل هتلر الالماني(1941). وكلتا الغزوتين انتهت بكارثة ونهاية حياة الزعيمين المعتديين.

ـ كذلك تعاون (الانكليز) مع (اليابان) لتنتصر في حربها ضد (روسيا)1905 .

ـ في حرب 1914 اتفقت المانيا والنمسا على احتلال (دولة صربيا: السلافية الارثوذكسية) وشن الحرب ضد حليفتها روسيا. تكرر الامر فيما يسمى (حرب تفتيت يوغسلافيا: 1991 ـ 2001) عندما دعم الغرب الميليشيات الانفصالية، وشن (حلف الناتو) هجمات تدميرية ضد (صربيا)، ولم تستطع (روسيا) التدخل بسبب ضعفها السياسي آنذاك.

ـ رغم نهاية المعسكر الاشتراكي(1990) والنفوذ الروسي(السوفيتي) في دول اوربا الشرقية، الا ان (المعسكر الغربي) ما كفّ عن التمدد وتطويق (روسيا) من كل جانب من خلال (الاتحاد الاوربي، وحلف الناتو).

اقنعة الخوف الغربي من روسيا

ان اوضح دليل على عمق هذا الخوف من روسيا، انه في كل فترة كان يتخفى بقناع سياسي ظاهري:

ـ في زمن الحكم القيصري، كانت حجة نابليون(القضاء على النظام الارستقراطي الرجعي..).

ـ في زمن الحكم الشيوعي، كانت حجة هتلر ثم بعده الغربيين: مكافحة الخطر الشيوعي!

ـ ثم في العصر الحالي، وبعد انتهاء القيصرية والشيوعية، وتبني روسيا لنظام (رأسمالي ليبرالي) على الطريقة الغربية، اتخذ العداء سببا جديدا: (مكافحة نظام بوتين.. الدكتاتوري المحافظ المسيحي)!

لكن هنالك اسباب عميقة وثابتة تحرك هذه الدوافع العدائية الغربية نحو روسيا:

       اولاـ السبب التاريخي الديني: كي نفهم جيدا هذا السبب المنسي والكامن في اعماق الوعي الباطني لدى شعوب اوربا الغربية وامريكا ونخبها المؤثرة، يتوجب توضيح المعلومات التاريخية التالية:

ـ في عام 395 م حدث انقسام في الامبراطورية الرومانية، الى غربية عاصمتها:(روما)، وشرقية عاصمتها:(القسطنطينية: اسطنبول). نتيجة هذا الانقسام الامبراطوري انقسمت المسيحية الى طائفتين متنافستين كل منها تكفّر الآخرى: المسيحية الغربية الكاثوليكية وعاصمتها(روما: الفاتيكان)، والكنيسة الشرقية الارثوذكسية وعاصمتها(القسطنطينية). وقد بلغ عداء (اوربا الكاثوليكية) لـ(بيزنطا الارثوذكسية المارقة)، ان الصليبيين الاوربيين كانوا يهاجمون وينهبون مدن بيزنطا في طريقهم الى فلسطين!

بلغ بالكاثوليك البغض انهم رفضوا مساعدة بيزنطا في مواجهة خطر الاتراك المسلمين، بل هم فرحوا لسقوط (القسطنطينية ـ اسطنبول: 1453) على يد السلطان (محمد الفاتح). ورغم ظهور (البروتستانت: 1517) الذين انشقوا عن الكاثوليكية، الا انهم حملوا نفس العداء الاوربي الغربي المتوارث نحو (الارثوذكسية).

ـ منذ القرن العاشر وقيام (اول دولة روسية) وعاصمتها(كيف: حاليا عاصمة اوكرانيا) صارت (المسيحية الارثوذكسية) الديانة الرسمية لعموم روسيا. في القرن الرابع عشر انتقل مقر الكنيسة الى (موسكو).

وبعد سقوط (القسطنطينية ـ اسطنبول: 1453) عاصمة الارثوذكسية، على يد الاتراك المسلمين، تحولت (موسكو) الى (عاصمة الارثوذكسية). أي انها اصبحت المركز العالمي لغالبية شعوب اوربا الشرقية (والسلافية) الارثوذكسية. أي بصورة اوضح ان (روسيا) حلّت محل(امبراطورية بيزنطا) الممقوتة المارقة والمنافسة لهيمنة اوربا الغربية!!

ثانيا ـ السبب الجغرافي الستراتيجي: وقد اكتمل هذا السبب التاريخي الديني، بأن (روسيا) هي اوسع بلد مساحة في العالم: (17,13 مليون كم ²) أي حوالي ضعف مساحة اوربا كلها: (10,458,000). بالاضافة الى انها تجاور قارتي اوربا وآسيا، أي انها كانت ولا زالت تسد الطريق الاقرب والاسهل للتوسع الغربي نحو آسيا:(الصين والهند وآسيا الوسطى.. الخ). كذلك تحرم الغرب من استثمار هذه (القارة الروسية) الغنية جدا بكل الثروات الطبيعية. بالاضافة الى ان موقع روسيا يجعلها جارا خطيرا منافسا لالمانيا واوربا الغربية في النفوذ على اوربا الشرقية وعلى شمال اوربا.

لهذا الاسباب جميعها يتفق (الغرب الكاثوليكي البروتستاني)، على محاربة (روسيا الارثوذكسية) والاصرارعلى الاستمرار بمد نفوذهم السياسي والعسكري باسم:(الاتحاد الاوربي وحلف الناتو) وتطويق (روسيا) من كل ناحية، على امل السيطرة عليها مستقبلا، كما حاول اسلافهم طيلة القرون الماضية، امثال(نابليون) و(هتلر).