3 قصص قصيرة جدا

سليم مطر ـ جنيف

تشرين 2015

                                                                                 *   *   

                                               ذكريات سوبرمان السكران مع ملايين النسوان!

http://cdn2-www.craveonline.com/assets/uploads/2013/06/Superman-Returns2.jpg

نعم يا اخوتي صحيح انا سكران، لكني مع ذلك ابقى سوبرمان البطل الجبار، ولا احد يضاهيني بقوايا الخارقة. كلكم تعرفوني منذ طفولتكم. أطير باسرع من البرق، وأسمع الاصوات عبر القارات، وأرفع الجبال لفتح الطرق، وأنفخ العواصف لأبعد الغيوم، وأسكب البحيرات لأطفئ الحرائق، وأشيد البنايات باسرع من لمح البصر، وأتلاعب بدوران الكرة الارضية، لأعيد الزمن الى الماضي وأقدمه نحو المستقبل.. وغيرها وغيرها من الخوارق التي قد شاهدتموني بانفسكم افعلها، او على الاقل سمعتم بأنجازي لها.

قد تستغربون أن اكون هكذا سكران وأتأثر بالخمرة رغم اني سبق وان شربت سيول البراكين ومياه البحار، بل حتى امطار غيوم القنابل النووية. لن تصدقوني لو كشفت لكم السبب. نعم سوف تسخرون مني لو عرفتموه. ولكن مع ذلك، وربما لاني سكران، اتجرأ واكشفه لكم:

ـ المرأة .. نعم انها المرأة.. واعتقد بانكم يا اخوتي معشر الرجال ستفهموني اكثر من بنات حواء.

لقد حيرتني المرأة يا اخوتي. بل اني بت مقتنعا، انا الذي عرفت جميع اسرار الخليقة، إذ تجولت في انحاء الكون وتعرفت الى مالا يحصى من سكان الكواكب المختلفة، لم يعصاني حتى الآن غير سرين:

سر الخليقة، وسر المرأة!

الاثنان لم افهم حقيقتهما ولا منطق سلوكهما ولا ما يبتغيان منا نحن البشر، اقصد نحن الرجال.. .

انا اتفهم تماما صاحب ذلك الكتاب الشهير المعنون:

(كل ما كشفه الرجال، خلال آلاف الاعوام من اسرار النساء)

وهو كتاب ضخم، ولكنك عندما تفتحه تفاجأ بان جميع صفحاته بيضاء بلا كلمة واحدة!!!

نعم يا اخوتي انا سوبرمان، وقد عرفت وعاشرت ملايين النساء، ليس من الارض وحدها، بل حتى من كواكب اخرى. واخجل لو كشفت لكم الاسرار الجنسية وممارسات النساء هناك.. المهم اني بعد كل هذه التجارب قررت التمرد على المرأة وعدم الاهتمام بها ابدا و...

ـ نــ..نعـ.. نعم يا حبيبتي ومهجة روحي.. انا جاي.. ماذا؟ تقولين اني كنت اتحدث معي نفسي؟ لا لا عيني.. كنت اسمع الراديو.. نعم نعم.. طبعا عملت المسواق.. افتحي الثلاجة وتجدين فيها كل ما طلبتي مني.. للأسف لم استطع جلب صندوق الكوكا لانه ثقيل علي، وظهري كما تعرفين يا حبيبتي يوجعني هذه الايام..

                                                                                   *     *     *

                                                     موعد مع الشمس

http://g01.a.alicdn.com/kf/HTB12FxXLXXXXXbWXVXXq6xXFXXXO/Cg-digitale-kunst-natur-3d-artistic-12x18-20x30-24x36-32x48-Zoll-plakat-druck-35.jpg

كانت السماء تمطر والغيوم سوداء تحيل الصباح الى مساء معتم.  

وقفت تحت الشجرة المتفق عليها انتظر صديقتي الشمس، التي كعادتها ستأتيني مرتدية حلتها البيضاء الفضية وشعرها الذهبي.

بقيت انتظر وانتظر تحت الشجرة والمطر يغمرني والريح الباردة احالتني الى كتلة من الجليد. لكني رغم ذلك كنت صابرا اتدفأ على خيال حبيبتي الشمس التي لا بد ان تأتيني بنورها ودفئها.

فجأة توقف المطر وبدأت اسمع من بين الاغصان العالية صوتا يناديني:

ـ مساء الخير يا صديقي، ماذا تفعل هنا في البرد والمطر؟
رفعت راسي فلمحت القمر شاحبا بالكاد يظهر بين الاغصان والغيوم. فأجبته:
ـ او يا صديقي القمر، انا انتظر امك الشمس منذ الصباح، واستغرب انها لم تأتيني حتى الآن..
ـ لكن يا صديقي، امي الشمس لا تأتي في الايام المغيمة، وفي المساء تذهب للنوم

فشكرته ورجعت الى داري حزينا. دون ان آكل تدثرت في فراشي وغرقت في نوم متقطع لاني كنت جائعا ومحموما.

في منتصف الليل اذا بي استيقظ على صوت دافئ حنون يناديني:

ـ اصح يا صديقي اصح..

عندما حاولت ان افتح عيني اغلقتهما بسرعة لان نور ساطع بهرني. بقيت لدقائق حتى تمكنت من فتحهما ورؤية صديقتي الشمس مستقرة جنبي على الفراش. عندما عرفت باني محموم وجائع، راحت تمسدني وتبث الدفئ في بدني، ثم قطعت بعض من ضفارئها النورية ووضعتها في فمي، وكان طعمها حلوا ساخنا مثل بيض مقلي محلى بعسل. فاحسست بلذة دفئ وشبع، فشكرتها من اعماق قلبي وقبلتها واحتظنتها وغرقنا معا في نوم عميق حتى الفجر، إذ أستأذنت مني وصعدت الى السماء.

                                                                                                  *     *     *

                                               عندما اهديت القمر لحبيبتي

http://poussiere29.p.o.pic.centerblog.net/f2539419.jpg

عدنا الى الدار انا وحبيبتي بعد ان امضينا يوم احد ربيعي مشمس نتجول في الغابات. استلقيت على الكنبة في الشرفة المطلة على الحديقة. تناولت جريدة امس، واندهشت ان جميع صفحاتها كانت بيضاء الا من اعلان كبيرة يملئ صفحة بكاملها:  

(مخازن الحلم الكبرى) تعلن عن تخفيضات نادرة بسعر القمر.

وقد حدد الموعد في مساء اليوم التالي الاثنين.

شعرت بنوع من الاثارة معتبرا هذا الاعلان استجابة لحيرتي منذ ايام لاختيار هدية مناسبة لحبيبتي في عيد ميلادها. فقلت هاهي السماء تدعوني ان أهديها القمر.

كتمت الامر عن حبيتي. وفي اليوم التالي ذهبت وحدي الى الموعد المعلن في الساعة السابعة مساءا. تبين انها ليلة إكتمال القمر. فعلا وجدت ألا ف الناس مجتمعين في الحديقة الكبيرة المطلة على البحيرة ينتظرون بزوغ القمر مكتملا متلئلئا وسط السماء منعكسا على مياه البحيرة تحيطه النجوم مثل عريس ليلة زفافه.

كان السعر المعلن خارق للعادة في رخصه(99,9) اورو. وبما ان الجميع قادر على الدفع فقد ارتأت ادارة المخازن اجراء قرعة. كل من يرغب يأخذ رقما، ثم الفائز يحق له شراء القمر.

ومن غرابة الصدف ان يكون رقمي ايضا (999). وكانت لحظات ترقب سماع الرقم الفائز ساد صمت بين الجموع المحتشدة، فلا تسمع غير هممهات خفيفة واصوات اطفال وهفيف ريح وقرقعات مويجات البحيرة. فجأة ارتفع من مكبرات الصوت صوت رقيق ضاحك لفتاة تعلن الرقم الفائز. وكان رقمي(999)!

بقيت لحظات صامتا لا استوعب الحقيقة، لولا ان نبهني الذين بجانبي وهم يشيرون الى رقمي.

كانت دهشة الجميع عندما اعلن عن بدء عملية إنزال القمر من اعالي السماء. وفعلا رايناهم يشغلون محركا كهربائي دوار يسحب حبلا معدنيا لم يكن مرأيا قبل ذلك. طرفه الآخر غائب في عتمة السماء. واذا بنا نشاهد حصول ما لم يصدقه العقل:

القمر يهبط بالتدريج حتى طاولة البيع حيث تتجمع سبعة فتياة جميلات ضحوكات مع اوراق ملونة للتغليف. ما ان حط القمر على الطاولة حتى شرعن بكل براعة بتغليفه وربطه بخيوط ذهبية وفضية ملونة على شكل وردة. ثم قامت احداهن وهي شقراء بعيون عسلية، بتقبيلي وتهنأتي وسط تصفيق الحشود واهازيجهم ووضعت القمر المغلف بين يدي.

لم يخطر في بالي ان يكون القمر بهذا الحجم والثقل حتى اني عجزت عن حمله اكثر من عشرة امتار. اضطررت ان آخذ تكسي ليقلني الى بيت حبيبتي. عبر نافذة السيارة انتبهت الى السماء قد اصبحت حالكة والنجوم رغم توهجها صارت شاحبة حزنا على فراق القمر.

عندما فتحت حبيبتي المغلف وشاهدت القمر، ارتمت علي مقبلة شاكرة . ولم اتوقع ان تقول لي:

ـ شكرا لك يا حبيبي، لكني بالحقيقة كنت اظن انك ستهديني الشمس..

لم افهم قولها، أهو تعبير عن دلال ام سذاجة؟ أجبتها بجدية وبنوع من الغضب المكتوم، وانا اغصب نفسي على ابتسامة:

ـ لكني يا حبيتي خفت ان تحرقك الشمس!

وإذا بي استيقظ على قبلات حبيبتي وهي تقول:

ـ اصح يا حبيبي العشاء جاهز. لكن اخبرني بماذا كنت تحلم.. سمعتك تهمس بالشمس والقمر..

فتحت عيني واذا بي اندهش من ان وجهها الذي فوقي تحيطه تماما دائرة القمر في السماء، فبدى وكأنه وجه القمر..

فهمست وانا شبه غائب:

ـ انت قمري يا حبيبتي..

فهمست هي:

ـ وانت شمسي يا حبيبي