فكر

الحب والجنس بين الجسد والروح،

والميلاد والاخصاب.

غريزة الجنس تنشط في ازمان المخاطر والحروب

كرد فعل على قلق الموت، لانه فعل حياة!

سليم مطر ـ جنيف

نيسان 2014

مشكلة الانسان الابدية، ذلك التناقض بين جسده الفرداني الوحداني وروحه الجماعية الكونية.
فهو يمتلك جسدا منفصلا تماما عن اجساد الآخرين، وحده يحس بجوعه وشبعه، ببرده وسخونته، بوجعه وراحته، بيقضته ونومه. نعم وحده مسؤول مباشرة عن سلامة وديمومة جسده وفي كل لحظة منذ الولادة حتى الموت.

لكن روح الانسان تختلف تماما، فهي منذ لحظات تكوينها جماعية مجتمعية وكونية بصورة لا محدودة. جميع تفاصيل الروح: الفكر والخيال والكلام والمشاعر، كلها مكتسبة من المجتمع. فالانسان حتى قبل ميلاده وهو في بطن امه، تتشكل روحه بتاثير العائلة والمجتمع والحياة بأكملها. فيتعلم الكلام والتفكير والدين وطرق العيش والحياة اليومية والمبادئ والاخلاق وجميع المعارف، من مجتمعه الحي ومن ميراث اسلافه واسلاف البشرية جمعاء.

بهذا يصح لللانسان ان يقول: (انا) جسديا..
لكنه من الصحيح ان يقول(نحن) معنويا. لان روحه مسكونه بمليارات البشر من الاقربون حتى ابعد الابعدون في الجغرافيا والتاريخ.

وهنا تكمن مشكلة ومعانات الانسان الابدية:
فهو من ناحية محتم عليه ان يعيش جسديا منفصلا عن الآخرين، لانه وحده مسؤول مباشرة عن الجسد، لكنه معنويا روحيا مسكون تماما بألآخرين ويتوجب عليه في كل لحظة ان يكون(جماعيا مجتمعيا خارجيا) يتفنن بكسب رضى الناس واحترامهم وحبهم واعجابهم وتجنب شرورهم ونزواتهم ومخاطرهم.

حتى عندما يختار الانسان التنسك والزهد والعزلة، فأنه قد ينجح جسديا، لكنه معنويا يبقى رغماعنه مزدحما بالجموع في قلبه وعقله وفي كل خلية من ذاكرته.

حتى عندما يكون الانسان غنيا او ملكا جبارا، فأنه قد ينجح بحماية فردانية جسده وتمايزه، لكنه روحيا يبقى رغما عنه مثل كل البشر يعشعش ألآخرون في اعماقه: احبه واعداء، اوفياء وحساد، حسان وقبحاء، اذكياء واغبياء، خاضعون ومتمردون..

                                    الميلاد اولى صدمات الانسان

لهذا فأن ساعات ميلاد الانسان وطرده من رحم امه، تعتبر اولى الصدمات النفسية المفجعة، لانه باضطراره لهجر رحم امه، فأنه يهجر حالة الانسجام الداخلي الذي ظل يعيشها لأشهر حيث عالم الفقدان في بدن وروح الام. فخروجه الى الدنيا يعني انفصاله عن جسد امه وامتلاكه جسدا مستقلا خاصا به. لهذا تراه يصرخ بالم وغضب وخوف، ويبقى لاشهر وسنوات وهو يتمسك باثداء وجسد امه، وكأنه يريد العودة الى (بيت الرحم) أي بيت الانسجام الجماعي المطلق.
                   الفعل الجنسي، فعل توافق كامل بين الجسد والروح
ان قيمة واهمية الفعل الجنسي لانه الفعل الوحيد الذي يتمكن بواسطته الانسان ان يوحد جسده مع جسد انسان آخر. جميع الافعال البشرية مهما كانت لا تقتضي تداخل جسدين، الا الفعل الجنسي، حيث تتشابك الاعضاء وتستخدم الحواس الخمس(السمع واللمس والبصر والذوق والشم) كلها بآن واحد، بالاضافة الى الحاسة السادسة:(الخيال)، أي روحي الكائنين تشاركا الجسدان تلاحمهما.
لهذا فأن الفعل الجنسي الكامل هو الذي يسبقه ويصاحبه انسجام الروحين من خلال مشاعر المحبة والرضى. ان الفعل الجنسي الخالي من المشاعر والقائم على اساس البغاء او الغصب، يمنع من الالتحام الفعلي للجسدين لعدم تمكن الروحين من التفاهم والانسجام.

ان الغاية العميقة للفعل الجنسي لدى الرجل هي الرغبة الدفينة منذ الميلاد بالعودة الى بيت الرحم. أي انه فعل معاكس للميلاد. لهذا فأنه بهذا الفعل يزرع الرجل الجنين في رحم المرأة وكأنه بذلك يعود هو الى بطنها.

اما الفعل الجنسي لدى المرأة فأنه محاولة لتلبية الرغبة الدفينة الكامنة في جيناتها منذ الازل بارجاع الجنين الى بطنها. أي انه فعل معاكس للمخاض. لهذا فأنها تستقبل الجنين المزروع فيها بواسطة الرجل وتحمله لتسعة اشهر.

نعم ان فعل الجنس والميلاد، فعلان متناقضان متكاملان متعاقبان، مثل الليل والنهار.الجنس عودة الى الام، والميلاد خروج من الام.

الجنس توافق الجسد والروح.. توحد الفرد والجماعة.. دخول بذرة الجنين الى جنة الامومة..

اما الميلاد فهو تمايز الجسد عن الروح.. انفصال الفرد عن الجماعة، طرد الجنين من جنة الامومة!

ـــــــــــــــــــــــــ

لمن يرغب معرفة تفاصيل افكارنا بهذا الخصوص، نقترح عليه مطالعة روايتنا(امرأة القاروة):
http://www.salim.mesopot.com/index.php?option=com_content&view=article&id=117:---2012&catid=35:2012-12-20-11-40-20