فكر

من اجل دور فعال للنخب المدنية والثقافية

في الحوار والتقارب بين الطوائف؟!
مثال الشيعة والسنة في العراق!

سليم مطر

جنيف ـ كانون الثاني 2014

من الاخطاء الكبيرة السائدة في البلدان العربية والاسلامية، ان المشكلة الدينية الطائفية بقيت موضوعا خاصا بالمتدينين، وفي احسن الاحوال تتدخل الحكومة للسيطرة على الامور. اما المثقفون والجامعيون ومؤسسات والتربية والمجتمع المدني، فأنها للأسف بقيت بعيدة عن هذه المهمة الوطنية العسيرة، بسبب الاعتقاد السائد بأن المشكلة الطائفية هي مشكلة(جماعات دينية متعصبة متخلفة) ولا تتعلق بالثقافة وبالنخب المثقفة التي بطبعها متعالية عن مثل هذه الامور الرجعية المتخلفة!!!

علما بأن هذه المشكلة الدينية لا تخص فقط العلاقة بين الطوائف المسلمة، بل ايضا تشمل العلاقة بين ومع الطوائف المسيحية المنتشرة في بلدان المشرق، مثل اقباط مصر ومختلف الطوائف المسيحية في بلدان المشرق.

                                         النموذجين الالماني والتركي

لنأخذ تجربة تاريخية اوربية ناجحة للحوار والتقارب بين الطوائف، انجزتها القوى الثقافية الوطنية بالتعاون مع رجال الدين، ونعني بها تجربة(الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني). ان هذا الحزب الذي نشأ كاثوليكياً في أول الامر في عشرينات القرن الماضي، تحول مع الزمن الى حزب كاثوليكي بروتستاني يجمع بين طائفتي المسيحية الالمانية. ان هذا الحزب لعب ولا زال يلعب دوراً حاسماً في تعزيز وحدة المجتمع الالماني، ووسيط فعال بين هاتين الطائفتين المسيحيتين المتنافسيتين تاريخياً. وقد اسس حوله الكثير من المؤسسات الدينية والثقافية والاجتماعية والشبابية والدينية للحوار والتقارب بين الطائفتين.

نفس الحال بالنسبة لحزب العدالة(الاسلامي) الحاكم في تركيا، والذي باعتراف المراقبين، راح يلعب دورا كبيرا بالتقريب بين الفرقاء في المجتمع التركي: ( السنة ـ العلوية / الاتراك ـ الاكراد ـ العرب)، باعتبار الجميع مسلمين، والاسلام العقلاني المعتدل يمكن أن يكون وسيطاً مقبولاً للحوار بين الجميع، رغم الفروق المذهبية والعرقية.

بصورة أوضح نقول، ان النخب الثقافية والسياسية والدينية الوطنية، بدلا أن تكون متفرجة او جزءاً من عملية الانقسام الطائفي والعرقي التاريخي في المجتمع، عليها أن تكون العكس، أي قوة ثالثة يجتمع فيها الفرقاء، بأعتبار أن مصلحة الوطن وحياة الناس وسلامتهم، هي المدخل والاساس لمصلحة وسلامة كل طوائف وقوميات الوطن.

                                               مثال الشيعة والسنة في العراق

لو اخذنا مشكلة الخلاف السني ـ الشيعي في العراق، فأننا نلاحظ الغياب شبه التام لأي مؤسسات او مبادرات من قبل النخب الثقافية والجامعية والاعلامية والمجتمع المدني. هنالك فقط مبادرات بعض رجال الدين من الطائفتين.

عندما نتحدث عن الحوار والتقارب الشيعي ـ السني، فأننا لسنا من السذاجة الى درجة أن نتوقع أن تلغى الفروقات ذات يوم ويندمج الشيعة والسنة في طائفة واحدة. بأعتقادنا ان هذا مستحيل. فحتى بالنسبة للمسيحيين الغربيين، ورغم كل روح الحوار والديمقراطية والبحث بين رجال الدين والمثقفين العلمانيين معهم، بالاضافة الى ما لا يحصى من المؤسسات الضخمة المتخصصة بتشجيع التقارب والحوار، الا أن هذا لم يمنع بأن تبقى الطوائف متميزة عن بعضها كما هي منذ قرون، فهنالك دائما البروتستان والكاثوليك والارثوذكس!

       ان الحوار الواقعي ليست غايته الغاء الفروق بين الطرفين، بل غايته الناجحة والمعقولة، بناء جسور للتواصل من اجل خلق قوة ثالثة من أبناء الطرفين، لتلعب دورا توسطيا وتقاربيا يخفف من حدة الخلاف والتصادم بينهما.

                                                                  المطلوب

اننا نسجل هنا بعض المقترحات المتداولة من أجل تشجيع الحوار السني الشيعي. ان غاية هذه الاجراءات خلق قوة ثقافية شعبية ثالثة تكون جسراً حوارياً بين الطائفتين:

أولا: تشكيل مركز رسمي يمول حكومياً ومدنياً بأسم(مركز الحوار الاسلامي العراقي)، تتمثل فيه عناصر دينية ومثقفة وجامعية من أبناء الطائفتين، تجتمع وتتداول وتعقد المؤتمرات وتتصل وتقترح ولها حضورا استشاري في البرلمان العراقي وفي مجلس الوزراء.

ومن أهم مهمات وفعاليات هذا المركز، التنسيق مع الفعاليات الدينية للطائفتين، من أجل الاتفاق على تواريخ واحدة للاعياد والمناسبات الاسلامية، ومحاولة اظهار وابراز المناسبات الدينية المشتركة مثل رمضان والحج والمولد النبوي، بل العمل على تشجيع اشتراك الطائفتين في المناسبات الخاصة بالطائفة

الواحدة، مثل عاشوراء.

ثانيا: تشكيل مركز اعلامي وثقافي متخصص بالحوار بين الطائفتين. ويتكون هذا المركز من اقسام تلفزيونية وسينمائية واذاعية وصحفية، بادارة نخبة من المتدينين والمثقفين والمختصين لانتاج برامج تلفزيونية واذاعية وفنية واصدارات صحفية تعرف بالشؤون المذهبية والحضارية والتاريخية للاسلام العراقي.

ثالثا: تشكيل لجنة مختصة من الطائفتين، للاتفاق على المناهج المدرسية المتعلقة بالتاريخ الاسلامي والدين، لكل المراحل الدراسية، غايتها تشجيح وابراز ثقافة التقارب والروح الوطنية العراقية الجامعة. والتأكيد على جعل كليات الشريعة في الجامعات العراقية، تلعب دورا دراسيا وبحثيا في تدريس المذاهب الاسلامية والتقريب بينها.

طبعا هذه المقترحات قابلة للتطوير والتحوير على مختلف حالات الخلاف الطائفي والديني في البلدان العربية والاسلامية.

خلاصة الكلام: آن ألأوان للنخب الثقافية والاعلامية والجامعية ومؤسسات المجتمع المدني ان تدخل هذا المجال الحساس والخطير الذي يكلف مجتمعاتنا واوطاننا الكثير من الخسائر الانسانية والتاريخية الباهضة. وعلى الدولة والاحزاب والنخب الوطنية والسلمية ان تبادر لمثل هذه النشاطات.