ما معنى: العقــل الباطـن،

           وكيف يتحكم بكل حياتنا ومصيرنا؟!

وكيف نستخدمـــه كي نشفــــــى من امراضنـــــا ونحســـــن حياتنـــــــا؟

ـ وما علاقته بالآية الكريمة: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.

ـ وكذلك بمقولة : وعلـــــى نياتكــــــــــــــــــــــــــم تُرزقــــــــــــــــــون.

ـ ان الانسان يمتلك طاقة داخلية هائلة اسمها(العقل الباطن) لو عرف استخدامها لتحكم بمصيره بدرجة كبيرة!

سليم مطر ـ جنيف

INCONSIENSE

هنالك حكمة هندية تقول: عندما تقع حاجة على رأس (انسان عادي) فانه يرفع رأسه كي يتشاجر مع من اوقعها عليه. اما (الانسان الحكيم) فأنه يغمض عينيه ويضع يده على قلبه ليسأل نفسه: ما هي المشاعر السلبية التي سممتني ودفعتني كي اسير في هذا المكان، وفي هذه اللحظة، كي تقع على رأسي تلك الحاجة؟!

وهذا يعني، ان كل ما يحصل لنا من خير وشر، صحة ومرض، مدفوع بعقلنا الباطن، وهنالك تواطئ غير مقصود من قبلنا.

                                                 ماهو العقل الباطن؟

لو شبهنا الانسان بتكسي: فالسيارة هي البدن، وسائقها هو العقل، والراكب فيها الذي يقرر الاتجاه، هو العقل الباطن(او النفس، او النيّة)!

ان النفس أي الذاكرة الداخلية غير الواعية، هي العقل الباطن. هاكم المثال التالي لتوضيح ذلك:

عندما تتعلم لغة اجنبية، او السياقة، او السباحة، أو أية تمارين ومعلومات جديدة، فأنك مجبر على المرور في مرحلتين:

1ـ مرحلة التعلم الواعي، أي دراسة وتكرار هذه المعلومات الجديدة في عقلك ورأسك وتفكيرك وصوتك. ويكون تطبيقك بصورة واعية وحذرة. فلكي تنطق بجملة من هذه اللغة الجديدة، انت مجبر ان تفكر جيدا وترتب الكلمات بجهد. كذلك عندما تسوق السيارة، انت مجبر ان تفكر في كل حركة.

2ـ المرحلة الثانية، بعد وقت من تكرار التمارين والالحاح على تعلمها، تهبط هذه المعلومات الجديدة بالتدريج الى (عقلك الباطن) وتصبح جزءا من كيانك و(ذاكرتك الباطنية)، بحيث انك لا تفكر ولا تهيء نفسك كي تنطق باللغة الجديدة او تسوق السيارة. كيانك كله واعضائك كلها تتشارك وتقوم بمئات وآلاف الحركات الداخلية (الغير الواعية) أي دون انتباهك وعقلك وتفكيرك.

يصح القول ان (العقل الباطن ـ النفس) هو العقل الداخلي المخزونة فيه كل معلوماتنا ومعتقداتنا ورغباتنا وعواطفنا، منذ اول ايام تكوننا وحتى الآن. جميع الاشياء التي نقوم بها دون تفكير، مثل المشي والكلام والغذاء، وغيرها الكثير الكثير.

                                            وعلــــى نيّاتكــــم تُرزقـــــون!!

     ان المقصود بـ(النيـّـــة) هي (العقل الباطن) أي (القناعات الداخلية العميقة). وان (عدم صفاء النية) لا يعني وجود (قناعات شريرة) ضد الآخرين، بل ايضا يمكن ان تعني (ضد الذات) أي (قناعات ومشاعر سلبية) من حزن وخيبة وتأثيم وغضب وحقد.. الخ.. كما ان (حُسن النية) لا يعني بالضرورة وجود (قناعات طيبة) نحو الآخرين ، بل يقصد (قناعات ومشاعر إيجابية) إزاء الذات اولا، من ثقة بالنفس ومحبة وراحة وإستحقاق ما نرغب. ان (النيّة)هي المسؤولة الفعلية عن تسيير حياتنا كلها بخيرها وشرها. هاكم المثال التالي:

ـ جميع الناس يدعون ويعلنون انهم يريدون الصحة والراحة والمال، ولكن مع ذلك الكثير منهم يصابون بالأمراض ويعيشون المشاكل.. لماذا؟!

صحيح، ان جميع الناس يأمنون (بالصحة) ولكن أكثرهم إيمانهم هذا، سطحي وكلامي لانه فقط في (عقلهم الواعي)، أما في اعماق (نيتهم ـ نفسهم ـ عقلهم الباطني) فهناك مشاعر وقناعات سلبية رافضة للصحة وللراحة، وهي قد تكون مخزونة منذ الطفولة، أي صدمات قاسية وجروح نفسية عميقة(عائلية) لم يتمكن الشخص من شفائها وتجاوزها، او أنها نتيجة معانات الوقت الحاضر بسبب مشاكل ومصاعب مرتبطة بالعلاقات أو العائلة أو العمل. ان هذه المشاعر السلبية، هي التي تسمم(النفس) وتضعف العقل الواعي ومعه الجسم، وتدفعه الى المرض بدلا من الصحة، والى المشاكل بدلا من الراحة، والى الفقر بدلا من الكفاية، والى المذلة بدلا من الكرامة، والى السجن بدلا من الحرية.

قد تجد الكثير من الناس يمتلكون المال والسلطان، لكنهم غير سعداء ويعانون الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية والصحية، لانهم رغم المال والسلطان، فان (نفوسهم) بقيت متسممة بالمشاعر السلبية.

لهذا فأن الشفاء من أي مرض خطير، او للتخلص من اية وضعية صعبة ومؤذية مهما كانت، يستحيل ان يتحقق لو استخدمت جميع الادوية واجريت مئات العمليات وبذلت اطنان الجهود، دون توفر شرط مسبق اساسي وحاسم:

ـ ان تؤمن في اعماقك أي في (نيّتك ونفسك وعقلك الباطن )بانك تستحق فعلا الصحة والراحة والكرامة، وانك قادر على الحصول عليها، بارداتك الداخلية الحقيقية وبمعونة الخالق الجليل .

لهذا، ان الشرط الاول لتحسين حياتك، ان تستخدم كل الطرق النفسية والروحية المعروفة، ومن خلال التكرار والتكرار والتكرار، (مثلما لو كنت تتعلم لغة جديدة)، بأنك انت وحدك المسؤول عن حياتك بخيرها وشرها، وانت وحدك القادر وبعون الله، على تحسينها من خلال تحسين مشاعر عقلك الباطن.

وإذا كان قول: (وعلى نيّاتكم تُرزوق) يتعلق بحياة الافراد.

فان الآية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ.) تتعلق بالشعوب. وهذا موضوع آخر سنفصله مستقبلا..

نكرر أخيرا: ان معنى (النيات طيبة) ان تشحن نفسك بالقناعات والمشاعر الايجابية التي يمكن اختصارها بـ:

ـ ان تحب نفسك والناس والحياة. نعم، المحبة الشاملة هي مفتاح الصحة والسعادة الحقة.

لمزيد من المعرفة لهذا الموضوع، طالع هذه القصة القصيرة التي تكشف عن الدور الروحاني العجيب للعقل الباطن:

حكاية السيدة التي زارت العالم الآخر!