ماهي النُخبة، وما علاقتها بالدولة وبالشعب؟

img032

هل صحيحة الفكرة السائدة: ان (النُخبة) هم الناس الاذكياء الانقياء ضميريا ووطنيا؟!

هل صحيح ان فساد الشعب من فساد نُخبه، ونهضة الشعب من نهضة نُخبه؟

من يصنع التاريخ، الشعب ام نُخبه؟

هل يصح صراخ المثقفين بتحميل الحكومات والشعب مسؤولية الكوارث؟

 

سليم مطر ـ جنيف

 

هذه الكلمات،نخبة وشعب ودولة، من بين اكثر الكلمات المهمة جدا والتي يساء فهمها واستخدامها، حتى من قبل النخب نفسها.

                                                                            النخبة؟                                                     

                                                                                                                       image002

يمكن تعريف (النخبة) بصوة مختصرة جدا: مجموعة الاشخاص الذين يمتلكون قدرات معينة تؤثر مباشرة او غير مباشرة على عقلية واختيارات المجتمع والدولة.  وكان يطلق عليهم بالعربية(الصفوة)، وفي اللغات الاوربية(Elite) وتعني: (المُختارون).

عموما في أي مجتمع، هنالك عدة نخب متداخلة مع بعضها: النخبة المالية(مالكي الاقتصاد)، النخبة السياسية(قادة الدولة والأحزاب العلنية والسرية)، النخبة الثقافية(الكتاب والفنانون والأكاديميون)،النخبة الدينية(رجال الدين بمختلف عقائدهم). طبعا النخبة تشمل ايضا النساء ولكنهن عموما اقلية حتى في المجتمعات الغربية.

هذه الحالة تنطبق على جميع المجتمعات مهما كانت صغيرة او كبيرة، متطورة او بدائية. حتى في القرية الصغيرة، تجد هنالك (نُخب) تتكون من كبار الاداريين والشرطة واثرياء القرية(ملاكين وتجار) ورجال دين ومثقفين(شعراء وحكواتية ومطربين)..

ان طبيعة الحياة وتكوين البشر في كل الازمنة والمجتمعات مهما كانت متطورة او متخلفة، حتمت ان لا تتجاوز نسبة النخب الفاعلة بين 10% الى 15% من الجماعة.  حتى في مدرسة او مصنع، فيه 100 طالب او عامل، تجد نسبة محددة منهم متميزين بقدراتهم الثقافية والكلامية والقيادية، وبالتالي تأثيرهم الكبير على الغالبية المتبقية.

هنالك الملاحظات المهمة التالية:

1ـ ليس جميع اصحاب المناصب والثروات والشهادات والمثقفين والاكاديميين ورجال الدين، يدخلون في مجموع النخبة. فقد تجد استاذا جامعيا، لكنه مسكين على باب الله، لا يهتم بغير دروسة، ومن البيت للجامعة وبالعكس. وهذا الاستاذ الطيب لا يمكن وضعه في النخبة، لانه غير مؤثر لا في المجتمع ولا في  الدولة. بل ان تاريخ الدول يكشف لنا عن حالات لا تحصى عن ابناء ملوك ورثوا الدولة، ولكنهم يفتقدون القدرات القيادية الطبيعية. العقلاء منهم يرفضون وراثة آبائهم، وبعضهم يتورطون بالحكم ويصبحون كارثة على انفسهم وعلى شعبهم.

وقد تجد عاملا او فلاحا اميا، لكنه يمتلك فضولا معرفيا ونفسية طموحة وله خزين من الثقافة الشعبية، فيمارس تأثيرا معنويا وثقافيا على عمال مصنعه او فلاحي قريته وعشيرته. وهذا الشخص الأمي، يقينا دون ان يعلم هو عضو في النخبة لانه يؤثر على محيطه القريب والأبعد.

2ـ ليس شرطا ابدا، ان يكون ابناء النخبة فاضلين اخلاقيا وايجابيين في مجتمعهم. فابناء النخبة الواحدة، مثلا، مثقفين أو سياسيين ورجال الدين، تجد فيهم الفاسدين والنزيهين، المخلصين والعملاء، المتطرفين والمعتدلين، ولكن الصفة الوحيدة التي تميزهم عن الشعب، هي قدرتهم على التأثير. وقد يكون هذا التأثير ايجابي ام سلبي، المهم انه تأثير. لهذا فأن حتى كبار اللصوص والاشقياء والقتلة يعتبرون من النخبة، ما داموا مؤثرين على المجتمع..

                                                        علاقة النخب بالشعب وبالدولة!

PIRMID 1

إذن، يمكن تعريف (الشعب)، بكل بساطة: هم جميع الناس الذين لم تمنحهم الحياة الامكانات العقلية والنفسية والمادية لكي يكونوا من بين النخبة، أي الغالبية الساحقة من الناس، بين 80% الى 90% من الجماعة، صغيرة او كبيرة.

ليس صدفة ان ميراث الانسانية، تحدث دائما عن (الراعي والرعية)، كما في الانجيل والتورات، والسيد المسيح يعتبر نفسه (راعي) والمؤمنين (رعية). كذلك الكاهن البروتستانتي يسمى(Pasteur) أي راعي. والقصد من هذا ان (النخب) هم (الرعاة) والشعب هم (الرعية). أي ان جميع قناعات ومواقف (الشعب) والدولة، السلبية والايجابية هي من صنع الرعاة (النُخب). حتى ما يسمى بالانتفاضات الشعبية العفوية، لو بحثنا في جذورها لوجدنا ان هنالك نخبة معينة قد هيئتها وسقتها ولو بصورة غير مباشرة.

هذا يعني ان اية حكومة مهما كانت قمعية ومنعزلة يستحيل عليها ان تنبثق ولا تستمر بالاعتماد فقط على الجيش والشرطة، بل لا بد ان تعتمد على جيش من النخــب السياسية والثقافية والاعلامية والدينية التي تخلق لها الافكار والقناعات التي تبرر سيطرتها. فحتى الجيش والمخابرات لابد لهم من القناعات والافكار التي تبرر لهم اخلاصهم لدولتهم ومكافحتهم للمعارضين.

ان التاريخ، بانتصارته وهزائمه، بانجازاته وانحطاطته، لا تصنعه (الشعوب)، بل (النُخب).ان اي تقدم في المجتمع او تراجع، مسؤولة عنه النخب. فساد الشعب والدولة من فساد النُخب، ونهضة الشعب والدولة من نهضة النُخب.