هذا القسم الاول الحالي: (خرافات التحضر والتطور )،ووعودها المقدسة عن الديمقراطية والسلام والمساوات والعلمانية والعلمية..الخ وهو جزء من موضوعنا المتسلسل عن هذه الاشكالية الكبرى:(خرافة الحداثة) التي تعاني منها شعوب العالم العربي وعموم العالم بما فيه العالم الغربي.  

وتحته القسم الثاني عن(خرافة الجنة الموعودة) التي خلقها في اذهاننا الحداثيون عن (المجتمعات الغربية)..

وتحته القسم الثالث ، وهو عن حاجة الانسان الغريزية الى اوهام عن (مدينة فاضلة ومجتمع صالح)، باسم الدين او الليبرالية او الشيوعية او القومية.. الخ..

سليم مطر ـ جنيف

THEATR VIE

*   *   *  

1

العلم

خرافات العلم والتطور

هنالك خرافتان تسيطران على البشرية منذ القدم، ولكن خصوصا في العصر الحديث:
1ـ خرافة ان التقدم المعرفي العلمي التقني، يؤدي الى تقدم الانسان والشعوب في السلوك والاخلاق والضمير.
ولكن يكفينا نظرة سريعة في أي مجتمع نعيشه وفي العالم وطيلة تاريخ البشرية، لتبين بصورة لا تقبل الجدل والتفكير الحقائق التالية:
ـ ان سلوك الانسان واخلاقه وضميره ليست لها اية علاقة بمستواه المعرفي. فتجد عوائل وجماعات امية تعيش في البادية او الغابة او الجبل، يتمع افرادها بنوع من التوازن والتعاون والاخلاق اكثر بكثير من عوائل وجماعات متعلمة ومتحضرة ونخبوية. بالله عليكم، فكّروا قليلا: هل نحن في هذا الجيل المتحضر بـ(هواتفنا النقالة) العجيبة العالمة بكل شيء عليم، اكثر توازانا واخلاقا من اسلافنا قبل 50 عام؟؟!!
ـ لننظر الى كل تاريخ البشرية، والى البلدان الحالية المتطورة في جميع المجالات الاقتصادية والتقنية والثقافية: الم تكن ولا زالت الجرائم الكبرى والحروب والعبوديات والابادات والفساد والسرقات.. الخ.. كلها من عمل مجتمعات ونخب وقيادات عارفة وماهرة وقادرة على الاقناع وقيادة البشر وخداعهم؟؟!! هل يمكن لانسان ومجتمع مسكين وجاهل ان يقوم بكل هذه الجرائم الوحشية وعمليات الابادة(الحضارية جدا)؟!
ـ ثم يكفينا اية مراجعة بسيطة لمنتجات العلم والمعرفة: الادوية والاسلحة.. البيوت والسجون.. وسائل التعليم وغسل الدماغ.. لنتذكر هذا البرهان الرائع الذي يلخص كل تاريخ التعلم والتطور: ان اكبر اختراعين للثورة الفر/ نسية: لائحة حقوق الانسان... والمقصلة؟؟!! 
2ـ خرافة ان البشر يتعلمون من تجاربهم ويطورون انفسهم مع مرور الاجيال.
وهذه ايضا خرافة كبرى، يكفينا دقائق من التفكّر كي ندرك سطحيتها وسذاجتها: لننظر الى التاريخ وحتى الآن:
ـ هل تعلمت البشرية التعايش بسلام رغم كل هذا الكم الهائل من الحروب الداخلية والدولية؟!
ـ هل تعلمت البشرية ان لا تخضع سوى لحكومات وقيادات حكيمة نزيهة رحيمة، رغم كل هذا التاريخ من الخنوع للمخادعين والمهووسين بالسلطان والمال.
ـ هل تعلمنا نحن كأفراد في المجتمع الواحد والحارة الواحدة والعائلة الواحدة، ان نتعايش بيننا بصدق وطيبة وسلام؟!
ـ هل تعلمنا التخلص من الامراض؟؟ هل تعلمنا التخلص من الغيرة والاحقاد؟؟ هل تعلمنا التخلص من الكذب والخداع؟؟ هل تعلمنا التخلص من الطمع والجشع ومص دم الضعفاء؟؟ إذن هي هي اكذوبة: التعلم من التجارب؟؟!!
* * *
كلا ثم كلا كلا، لم يتغير شيء.. ابدا ليس بسبب تقصيرنا ولا حتى مسؤوليتنا نحن البشر، بل هنالك حقيقة مطلقة يساء فهمها، وهي رغم بساطتها الا انها خلاصة الخلاصة:
1ـ نحن البشر خاضعون لقانون، لنسميه ما نشاء: الهي، سماوي، طبيعي، مجهول الخ، المهم هذا هو فحواه:
حتمية ان (الجماعات البشرية) طيلة التاريخ وفي كل مكان، تتوزع عليهم بنسب مختلفة بين الافراد، نفس كمية الصفات الايجابية والسلبية: الصدق والكذب، الرحمة والقسوة، الانانية والجماعية، الانكفائية والاريحية، التشاؤمية والتفاؤلية، التوازن والقلق، الثبات والحركة، القناعة والجشع.. الخ الخ.. وهذا الصفات تتكرر هي ذاتها في جميع الاجيال والجماعات والشعوب، بغض النظر عن مستواها المعرفي والتحضري والتربوي.. الخ..
2ـ نعم هنالك فائدة واهمية للتعلم والتحضر واكتساب التقنيات، ولكن ابدا ابدا ليس من اجل تطوير حياتنا واخلاقنا وحسن تعايشنا، لا ابدا، بل من اجل الفائدة الكبرى التالية:
ـ ان نمتلك القوى(المعرفية والتقنية والعسكرية) من اجل حماية انفسنا من الاقوياء، جماعات ودول التي تمتلك المعارف والتقنيات لخداعنا وارهابنا والسيطرة علينا..

نعم، العلـــــــــــم نـــــــــــور، ليس للاخلاق والسعادة، بل للقوة والسيطرة، ليس اكثر!

لهذا علينا التخلص من اعتبار العلم والتحضر وسيلة وسببا للتعالي واحتقار الاخرين، وايضا سببا للشعور بالنقص والخنوع للمجتمعات الغربية التي تمتلكه.. بل ليكن العلم وسيلة لتضامننا وتطوير قوانا للدفاع عن اوطاننا وكرامتنا، ليس اكثر..

*  *  *

اختلاف الصفات الايجابية والسلبية وكميتها، تكون بين الافراد في داخل الجماعة الواحدة، ولكن بين الجماعات بصورة عامة وفي كل مكان وزمان، تحمل نفس كمية الصفات الايجابية والسلبية. يعني لو اخذت جماعات صينية وامريكية وعربية، وراقبتها تصرفاتها لوجدتها بالنتيجة تحمل نفس الصفات، ولكن الاختلاف بينها فقط بطريقة التعبير.

مثلا، عمليات القتل يمكن ان يمارسها البشر حسب مستواهم وثقافتهم، بالسم والحجارة والخنق والسيف والمسدس والقنابل العنقودية؟؟!!

وان الانسان يمكن ان يجد متعة بسماع حكاية بسيطة من انسان لطيف، اكثر من مشاهدة فلم سينمائي كلفته مليار دورلار..

ما دامت خلقة الانسان واعضائه وغرائزه الطبيعية وحاجاته البدنية، هي  نفسها نفسها مهما كانت معارفه وتحضره وثرائه.. الخ.. فأن صفاته الايجابية والسلبية، هي ايضا نفسها.

*  *   *

2

40418a21f977f63dce03e2693fe0b861

 ان اهم سبب في مصيبة الشعوب العربية، ان نخبنا الحداثية الرافضة لكل ما هو ديني وروحاني وميراثي وشعبي، لم يختلفوا بالحقيقة عن (خصومهم: السلفيين المتعصبين) إذ غيروا فقط مصدر الهامهم، من (السلف الصالح)، الى (السلف الاوربي الامريكي)، هكذا بقيوا تلاميذ مطيعين متعامين تماما عن الواقع والحاضر. 
فتراهم لا يكلّون عن تصوير المجتمعات الغربية في اوربا وامريكا على انها تعيش في شبه جنّة يقطنها ملائكة حداثيين علمانيين انسانيين. وكل مشكلتنا نحن الشعوب المسكينة تكمن في الدين والميراث الروحي؟!  ان تعصبهم وسذاجتهم تمنعهم من رؤية الواقع الذي تعيشه هذه المجتمعات الغربية سواء في داخلها او في سياسة نخبها الحاكمة ازاء الدول المستضعفة وازاء شعوبنا العربية على الاخص.. هذا النص كتبناه من وجهة نظر هؤلاء الحداثيين العميان:

1ـ بفضل العلم قد بلغوا الخلود والشباب الابدي، بالقضاء التام على (الموت والهرم) وجميع الامراض والاوبئة والحوادث وغيرها. ولهذا فان هذه الشعوب قد نسيت حتى كلمات مثل: موت ، مرض، هرم، عوق.. اطباء، مستشفيات، ادوية، وغيرها من الكلمات العتيقة التي لا نزلنا (نحن الشعوب) المتخلفة نستعملها!

2ـ بفضل الديمقراطية قد بلغوا المساواة الاجتماعية الاقتصادية، فلم يعد هنالك اغنياء يملكون المليارات وفقراء كادحين بالكاد يدبرون حياتهم. وقد تعود كل انسان في هذه البلدان على الاختيار الحر للعمل الذي يرغبه وعدد الساعات التي تناسبه. واصبحت جميع المخازن الكبرى مفتوحة للجميع ليأخذ الناس منها مجانا ما يحتاجونه من امور معيشية.

3ـ بفضل العلمانية وعزل الدين والروحانيات والاخلاقيات العتيقة، تمكنوا من بلوغ حالة الصفاء والسلام الانساني المطلق ومحبة الجميع للجميع ، وانتهى الادمان على الخمرة والضياع في المخدرات (العلمية التقدمية). انتهى الكبت الجنسي والمعانات الشهوانية، ولم يعد الناس يعرفون معاني كلمات: بغاء، شذوذ هلع جنسي. وانتفت الحاجة الى الاغتصاب التي كانت تحصل بعشرات الآلاف سنويا، ولم يعد الرجال بحاجة للسفر الى البلدان الفقيرة لممارسة البغاء مع الاطفال فتيان وفتياة.

4ـ بفضل تطورهم الثقافي والموسيقى قد بلغوا ذروة الصفاء والسلام، بحيث انهم تخلصوا من الجيوش والمخابرات والشرطة، وحولوا مصانع الاسلحة الى مصانع اغذية لاعانة البلدان الفقيرة. وعمت المحبة وانتشر الوئام في مجتمعهم، فلا تسمع ابدا بحوادث عنف ولا قتل ولا اغتصاب، ولا 50 الف قتيل كل عام في (بلاد هوليود)، وانتهت تماما المافيات والعصابات الدولية وشركات المرتزقة والاغتيال العالمي، وانتهت المؤامرات وشبكات الخيانة والتخريب في البلدان الضعيفة.

5ـ بفضل روح التعددية وحرية التعبير، قد بلغوا الشفافية المطلقة، من خلال جعل وسائل الاعلام ملكا للشعب وليس لاقليات ثرية شيطانية، لهذا انتهت الى الابد حملات الاعلام والرشوة والتهديد الى حد التوريط بتهم اغتصاب وغيرها، وعمليات التشهير وغسيل الضمائر التي تحطم من يعارضها وتمجّد من يخنع لها.

6ـ بفضل عقلانيتهم ونضجهم واحساسهم بالمسؤولية ازاء شعوبنا المتخلفة، تراهم يسعون باخلاص الى حل خلافاتنا ومشاكلنا، وتعليمنا مبادئ حقوق الانسان وكيف نحترم نسائنا ونحب اطفالنا، وان نقدس كلابنا ونجعلها تنام معنا في اسرّتنا.. . بالاضافة الى الكفاح لتحقيق العدالة العالمية ومنع الحروب والمؤامرات، واجبار الدول العنصرية والمغتصبة لاراضي الشعوب الضعيفة، على الخضوع للقانون الدولي وتحقق السلام وحسن الجوار.

       نعم، هذه بعض من الانجازات العظيمة للحداثة الديقراطية العلمانية العلمية الانسانية، ما علينا نحن الشعوب المتخلفة الا ان نجبر حكوماتنا على استيراد مبادئ الحداثة الديمقراطية والانسانية من خلال (الامم المتحدة)، وتعليقها على الجدار في كل مكان، حتى نحفظها نحن واطفالنا عن ظهر قلب، ثم بعد ذلك سنحققها بكل سهولة، بفضل مساعدة خبراء البلدان الغربية الديمقراطية العلمانية العلمية الانسانية التي طالما عودتنا على الوفاء لمبادئها العظيمة والمقدسة

       *   *   *

3

URUPI 1

ـ جميع الاديان والايدلوجيات والثورات والاستعمارات والامبراطوريات، قامت على (وعد تحقيق هذا الحلم المستحيل).

ـ غالبية المهاجرين في العصر الحديث، يغذيهم بوعي وبغير وعي بلوغ هذا الحلم المستحيل! وغالبيتهم يصابون بصدمة اكتشاف ان تلك المجتمعات هم مثلهم بشر، فيهم الاخيار والاشرار، ويعانون المناخ والامراض والشهوات والتحاسد والمظالم والخيبات لحد القتل او الانتحار..

ـ هؤلاء الحالمون الطوباويون، هم اشبه بالذين يؤمنون بامكانية وجود عالم حلمي، بلا مواسم ولا تقلبات المناخ والاجواء الساخنة والمثلجة، وكوارث الطبيعة، حيث تنتهي فيه الامراض ومعاناة الهرم وحتمية الموت والفراق..

ـ عالم حلمي، يكون فيه جميع البشر: طيبين مؤمنين مناضلين مسالمين كريمين عفيفين، ينعدم فيه الاشرار والانانيين الذين حتى لو ملكوا الارض والكواكب فأنهم حتى الموت يستمرون في كفاحهم الجنوني من اجل الاستحواذ والمنافسة وتأجيج الاحقاد والحروب لبلوغ أمجاد زائفة.

ـ عالم حلمي، لا يوجد فيه الكثير من الفقراء المعذبين الخانعين، الذين حتى لو منحتهم الكرامة والمال والقصور، فانهم رغم ذلك، سيستمرون بالتشكي والتبكي والتحاسد واختلاق اسباب التعب والعراك والتذلل للاقوياء والاثرياء.

UTUPI 2

ـ ان التاريخ لا يكف عن تأكيد هذه الحقيقة المتغاضى عنها:

ان التطور والتقدم لا يلبي فقط حاجات البشر ويخفف مصاعبهم، بل يخلق لهم ايضا الحاجات والمصاعب الجديدة!؟

ـ وان الخير والشرّ، متلازمان، مثل النهار والليل، الميلاد والموت، الصحة والمرض، المحبة والكره، السلام والحرب.. الخ.. يستحيل وجود مجتمع يخلوا من الاثنين.

ـ ليس صدفة ابدا ان جميع الاديان آمنت بقوى سماوية لـ(الخير) واخرى شيطانية لـ(الشر)، لان (الخير) و(الشر) يكمنان في الطبيعة والكائنات الحية، وخصوصا في نفوس المجتمعات البشرية بما فيها العائلة الواحدة.

ـ بل حتى الافكار الحداثية، مثل الاشتراكية والليبرالية وغيرها، تؤمن بقوى خيّرة: متنورين احرار، او عمال منتجين ثوريين، متحضرين تقدميين علمانين علميين نسويين مثليين جندريين.. الخ، بمواجهة قوى شريرة: رجعيين اقطاعيين رأسماليين متدينين فحوليين.. الخ.. الى حد تبرير شنّ الحروب الشرسة المدمرة بينهما..

ـ حتى في كينونة الانسان نفسه، منذ التكون في الرحم، تعتمل في خلاياه وفي روحه، طاقة الحياة والنمو والصحة، وطاقة التآكل والمرض والهرم حتى الموت المحتّم..

ـ ليس صدفة ان جميع الاساطير والحكايات والروايات والافلام والمسرحيات، قامت وتقوم على مبدأ الصراع بين طرفين: عادل وظالم، صادق ومخادع، ضميري واناني، ضعيف ومتجبر، مخلص وخؤون.. الخ

لكل فعل، رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه

هذا القانون العلمي الفيزياوي المعروف، موجود في كينونة الوجود، ويشكّل جوهر تاريخ البشرية:

ـ ليس صدفة ان جميع منتجات التطور والتقدم المفيدة للبشر، حتما وشرطا تجلب معها السلبيات والمعانات: فمثلا، كلما تقدمت التقنيات والصناعات المفيدة، كلما تقدمت معها تقنيات الاسلحة الفتاكة والحروب الكارثية وتقنيات السيطرة والخداع.

ـ مع صناعة السيارات المفيدة للنقل والتواصل، اتت التلوثات وحروب النفط، وزحام المدن، ومشكلة المواقف ومحلات التصليح وضحايا الطرق والحوادث القاتلة والمعوقة لملايين البشر.

ـ مع الزراعة السريعة والكثيفة المحمية بمبيدات الحشرات، ظهرت التلوثات الكيمياوية والسرطانات المرعبة للطبيعة والحيوان والبشر..

هكذا دواليك جميع الابتكارات والخطوات التطورية منذ فجر التاريخ وحتى الآن: مهما تطور الخير، تطور بجانبه الشر، والعكس صحيح.

والنتيجة يصح القول:

ان من فوائد التطور، انه يساعدنا على حل مشاكل ما انوجدت إلّا بسبب هذا التطور نفسه!!!؟؟

الحيرة بين النقيضين المتطرفين

ان ادراك البشر طيلة التاريخ لهذه الحقائق الايجابية والسلبية في الطبيعة وفي المجتمع، جعلهم في كل مكان وزمان، حائرين منقسمين الى طرفين:

ـ البعض يميل الى ان يكون (متفائلا مثاليا طوباويا)، باسم الدين والتقوى، او الحداثة والعلم والعلمانية، فيؤمن بحلم مستحيل عن مجتمع يقوده الحكماء المؤمنون التقدميون الطيبون، ويسوده الايمان والعدل والسلام والمحبة والمساوات والحرية والديمقراطية.. الخ..

ـ والبعض يميل الى ان يكون (متشائما يائسا انهزاميا) ويؤمن بلا جدوى الكفاح ضد الشرّ والخراب، ويبرر: اما خنوعه وتملقه للظالمين، او زهده بالحياة وانكفائه نحو التعبد والاعتكاف في الاديرة والمخابئ البعيدة.

ما الخيار الواقعي الوسطي الحكيم، رغم انه الاصعب؟!

ـ كن (واقعيا) مثل (الطبيب الضميري):

يكافح الأمراض ويساعد المرضى، لكنه يعرف جيدا انه من المستحيل بلوغ مجتمع بلا مرضى ولا امراض! هكذا حسب امكانيته يؤدي واجبه ويريح ضميره، والباقي على الله والحياة..

يعنى اشعل شمعة بدلا من البكاء من الظلمة..

نعم، ان جلّ ما يستطيع الانسان ان يأمله ويحققه، ان تكون نسبة (الخير والعدل والسلم) اكثر بقليل من نسبة (الشر والظلم والعنف). أي ان يكون الاخيار اقوى بقليل من الاشرار، والفقراء اقل عرضة لجشع الاثرياء، والمحكومين اقل تبريرا لهيمنة المتسلطين، والصادقين اقل تصديقا لاكاذيب المخادعين .. الخ

أي مجتمع واقعي وممكن تكثر في تاريخه (الحقب الزمنية) التي تسود فيها:

ـ الثقافة والتربية التي تشجع ميول الوسطية والانسانية والتحاور وتنبذ المغالات والتطرف واحتقار الآخر.

ـ ثقافة اصيلة تشجع الاعتزاز بالوطن وتاريخه وميراثاته الروحية والشعبية.

ـ مجتمع يكثر فيه الفاسدون والمخادعون والعملاء، ولكن ليس لهم السلطة الكاملة، بل بمواجهتم اهل الضمير المصلحون الصادقون والمخلصون للوطن وللانسانية.

ـ مجتمع فيه المظالم التي تخلق الخلافات والاضطرابات، ولكن ليس لدرجة الحروب الداخلية والخارجية.

ـ مجتمع فيه مشاكل الطبيعة والامراض، ولكن ليس الاوبئة والكوارث.

أي بكل بساطة مجتمع مقبول ومستقر يكون فيه الخير والعدل والسلام، اقوى بقليل، نعم بقليل، من الشرّ والظلم والعنف، وليس العكس.. ومثل هذا المجتمع طبعا مستحيل التحقيق دائما، بل في حقب متعاقبة بين سيادة الخير تارة وسيادة الشر تارة اخر.

UTUPI 3