هذا الملف جزء من موسوعتنا الصادرة عام 2009 بعنوان: موسوعة اللغات العراقية

ملـف الثقافة اليهودية

* اليهودية، ليست سماوية توحيدية، بل بابلية كنعانية؟!


سليم مطر ـ جنيف

* الدور العراقي في تأسيس اليهودية

* الخلاصة : اليهودية بين دنيوية البابلية وسماوية العرفانية

* اليهودية العراقية في العصر العباسي

* ملاحق معلوماتية عن أوضاع اليهود في العصرين العثماني والحديث

* المصادر

ــــــــــــــــــــــــــ

العقيدة اليهودية، بابلية عراقية،

أم سماوية توحيدية؟!

قبل ان نبدأ هذا الملف علينا أن نوضح المسألة التالية:

إننا لم نختر في عنوان هذا الملف موضوع (اللغة) لأننا سنتحدث عن (الثقافة اليهودية العراقية، ديانة ونصوصاً) بصورة تفصيلية. أما موضوع (لغة اليهود)، فهو لا يخلوا من الاشكالية، لأن لغة اليهود بصورة عامة، وخصوصاً في العراق، كانت أساساً (الآرامية)، منذ سبيهم الى بابل في القرن السادس ق.م، حتى الفتح العربي الاسلامي للعراق في القرن السابع الميلادي. بعدها أصبحت (العربية) هي لغتهم للكتابة وللمخاطبة، لحد هجرتهم من العراق في خمسينيات القرن العشرين.

إشكالية لغات اليهود

أما اللغة العبرية، فأن تاريخها يسوده الغموض مثل باقي تاريخ اليهود واليهودية، وخصوصاً حقبة ما قبل السبي. فحسب الباحث (اسرائيل ولفنسون) إن (اليهود) كانوا يطلقون على لغتهم (اللغة اليهودية) وكذلك (لغة كنعان)، ولم تذكر بأسم (العبرية) إلاّ بعد السبي البابلي([1]). ومن المعلوم إن لغة اليهود قبل السبي كانت الكنعانية، مثل باقي سكان فلسطين وعموم الشام. وقد أطلقوا على لهجتهم (العبرية) من باب التمايز، لا أكثر. وهنالك جدل حول مدى استخدامها في تدوين الكتب اليهودية المقدسة، وخصوصاً حقبة ما بعد السبي.

من المؤكد والمتفق عليه انهم في بابل تبنوا (اللغة الآرامية الشرقية العراقية) ودونوا كتبهم بها. حتى بعد العودة الى فلسطين، أيضاً بقيت الآرامية لغة اليهود لأن هذه اللغة الجديدة قد أصبحت لغة بلدان الهلال الخصيب، كتابياً وشعبياً، بعد أن احتوت تماماً اللغتين (الاكدية العراقية والكنعانية الشامية). لهذا فأن لغة السيد المسيح والمسيحية كانت الآرامية وليست العبرية.[2]

أما مسألة استخدام (العبرية) في كتابة بعض أجزاء العهد القديم في بابل، فأمر غير مؤكد. فأن أقدم وثيقة توراتية بالعبرية ـ الارامية تعود الى الحقبة العباسية في القرن العاشر. لكن في العصر الحالي تم العثور على وثائق قمران (فلسطين) التي تعود الى القرن الثاني قبل الميلاد، أي بعد السبي بحوالي ثلاثة قرون، وتحتوي على وثائق دينية بالعبرية والآرامية. ثم ان هذه (اللغة العبرية) ما كانت حقاً كنعانية تماماً، بل هي مزيج من الكنعانية والآرامية. لقد ظلت الآرامية هي اللغة الاساس، ثم إبتداءاً من القرن الرابع ق.م وسيطرة اليونان على الشرق، بدأت (اللغة اليونانية) تشيع في كتابات اليهود وعموم الشرقيين بجانب الآرامية (السريانية). ومن أبرز الامثلة على ذلك اصدار ترجمة العهد القديم الى اليونانية (الترجمة السبعينية) في القرن الثاني ق.م، وهي ترجمة أيضاً مختلف على صحة تاريخها ومضمونها([3]). وقد استمرت الكتابات اليهودية تستخدم العبرية والآرامية السريانية بجانب اليونانية في العراق وعموم البحر المتوسط، حتى الفتح العربي الاسلامي، حيث بدأت العربية تأخذ حيزها بين اليهود، حتى أصبحت لغتهم الاساسية كتابة ومخاطبة، بجانب الآرامية والعبرية. بل انهم أصدروا كتباً مكتوبة بحروف عربية ولكن بلغة عبرية ـ آرامية. بل ان قواعد (اللغة العبرية) قد وضعت في بغداد تشبهاً بقواعد (العربية) في القرن العاشر من قبل العلامة اليهودي الكبير (سعيد بن يوسف الفيومي) المعروف بأسم (سعاديه) وهو مصري عاش في بغداد([4]).

لقد بقيت العبرية طيلة تاريخ اليهودية مثل اللاتينية لدى المسيحيين في اوربا محصورة بالكتابات والطقوس الدينية. في عموم العالم احتفظ اليهود بالعبرية والآرامية الى جانب لغات الاوطان التي يقيمون فيها. وقد سادت (لغة اليديش) بين يهود اوربا الشرقية والمانيا، وهي مزيج من السلافي والالماني مع العبرية الارامية، ويرجع تاريخها الى القرون الوسطى. وقد استعملت الاحرف الهجائية (العبرية) في تدوينها وتكتب من اليمين الى اليسار. كذلك هنالك اللغة (اليهودية الاسبانية) ، وتتضمن عدداً من الكلمات العبرية، لكنها تعتمد بشكل أساسي على الاسبانية القديمة كما تكتب من اليمين الى اليسار .

أما (العبرية) السائدة حالياً في اسرائيل فهي مزيج مصطنع من الآرامية والعبرية القديمة (الكنعانية)، وقد بدأ بتكوينها بعض اليهود في اوربا في القرن التاسع عشر، وهي تكتب بالخط الآرامي المربع([5]).

مقارنة بالعربية، فأن العبرية الحالية لا تتضمن أحرف (ذ غ ض ظ )، وتحتوي على حرفي (پp) و(V). وكثير من الاحيان يتحول لفظ (و) بالعربي الى لفظ (V) بالعبري، مثل (حواء) الى (حفا). كذلك أغلب الاحيان يحول لفظ (س) الى (ش)، مثل (موسى) الى (موشي)، والعكس كذلك. تتشابه العربية والعبرية في صيغة الفعل والذي غالباً ما يكون ثلاثي. تكتب اللغة العربية ضمن صيغ من الخطوط المتعددة الشكل ومن أشهر تلك الخطوط للحرف العربي: الكوفي والنسخ والرقعة والديواني.. الخ. أما العبرية فبخط واحد هو الخط الآرامي المربع. العبرية تحتوي على حركات إعرابية مثل العربية، لكنها توضع في أسفل الاحرف فقط. إن عبرية اسرائيل فيها مختلف اللهجات، فهناك لهجة اليهود الاوربيين (الاشكناز) الى جانب لهجات اليهود القادمين من البلدان العربية، مثل اليمنية والعراقية والمصرية والمغاربية.. 

القرآن والتاريخ اليهودي

قبل أن ندخل في مناقشة تاريخ اليهود واليهودية، علينا أن نذكر الحقيقة التالية: لقد اتفق غالبية الباحثون أجانب وعرب في العصر الحديث، على أن تاريخ اليهودية حسب التوراة مضَخَّم أكثر من اللازم ويحتوي الكثير من الطروحات القومية العنصرية واللاّ أنسانية (كما سنبين في بحثنا)، وبالتالي لايمكنه أن يكون متفقاً مع طروحات القرآن الكريم([6]). ولكن المشكلة في العصر الاسلامي السابق، وبسبب الموقف الايجابي والأخوي من قبل المسلمين إزاء اليهود، فأنهم عموماً تبنّوا القصص التوراتية وأقحموها على بعض التفاسير الاسلامية الشائعة بل أضافوا إليها الكثير من المبالغات عن عظمة زعماء اليهود وسلطانهم الاسطوري (ما سمي بالاسرائيليات). لقد بينت البحوث العربية والاسلامية الحديثة، إن تاريخ اليهود حسب التوراة مختلف كثيراً عما هو وارد في القرآن الكريم. فمثلا إن القرآن، عكس التوراة، لم يحدد تاريخ خروج اليهود من مصر ولا مكان تيههم، والأهم من هذا انه لم يحدد البلد الذي استقروا فيها، فلم يذكر (فلسطين أرض الميعاد) ولا كنعان وباقي الاقوام، بل ذكر عبارة (الارض المقدسة)([7]). أما بخصوص (مملكة داود وسليمان) التي ادعت التوراة بعظمتها وإنها امتدت من النيل الى الفرات، فأن القرآن الكريم لم يحدد مكانها ولا أتساعها ولم يذكر أورشليم ولا بيت المقدس، ولم يتحدث عن بناء (هيكل سليمان العظيم)([8]).وهكذا دواليك جميع القصص المتعلقة بتاريخ اليهود واليهودية، وكل ما أضيف من تفاسير وحكايات أسلامية هي من (الاسرائيليات) وليس لها أي دخل بالقرآن.

الاساس العراقي للثقافة اليهودية

إن المتمعن في تاريخ اليهودية يكتشف ان العراق (بابل) كان الموطن الاول الذي تأسست فيه كعقيدة كتابية ناضجة، ومنه أخذت الجزء الاعظم من مصادرها الثقافية والدينية. وفي بابل (أصيب اليهود) بـ (عشق الكتاب والكتابة) التي تميز بها العراقيون طيلة تاريخهم وحتى الآن. وفي بابل نشأ العدد الاكبر من أنبياء ومؤسسي العقيدة اليهودية. ‎وكما يقول المؤرخ الفرنسي الكبير(جان بوتيرو): (( منذ عام 1872 بعد أن تم التمكن من قراءة الكتابة المسمارية والكشف عن كنوز الكتابات العراقية القديمة، فقد "الكتاب المقدس" أهميته العظمى باعتباره أقدم كتاب عن تاريخ البشرية، وتحول الى كتاب أدبي ديني))([9]).  

إننا نبتغي من دراستنا هذه، الكشف عن الفكرتين التاليتين:

1-ان اليهودية لم تتكون كديانة واضحة وناضجة في فلسطين على يد (النبي موسى) الذي ينسب اليه كتاب (التوراة)([10]) بعد الخروج من مصر في أواخر الالف الثاني ق.م. بل ان بداياتها الاولى وتأسيسها كدين كتابي محدد كانت في بابل بعد سبي اليهود في القرن السابع ق.م.

2-ان اليهودية ليست هي أول (ديانة توحيدية سماوية) بل (المسيحية). لأن اليهودية في هذه المرحلة التأسيسية البابلية كانت (ديانة بابلية دنيوية)، ولم تبدأ بالتحول الى (سماوية ـ توحيدية) الاّ بعد ظهور التيار (العرفاني ـ الغنوصي) إبتداءاً من القرن الثالث ق.م. الذي أدخل في اليهودية المبدأين (التوحيدي والسماوي):

ـ التوحيد يتمثل بالايمان بأن الاله ليس (يهوه) رب اليهود وحدهم، بل هو (الله) الواحد رب جميع البشر والخليقة.

ـ السماوي يتمثل بالايمان بأن مصير الانسان ليس العدم، بل هنالك القيامة ويوم الحساب والوعد بالخلود في ملكوت السماء.

تاريخ اليهود واليهودية

تعتبر اليهودية من بين الاديان التي لم تتكون منذ البدء كعقيدة واضحة محددة، بل هي أشبه بالوادي الكبير الذي تجمعت فيه مختلف الانهار والمجاري والمستنقعات والبحيرات، التي لم تمتزج ببعضها بل تراكمت جنب بعضها، ولكنها مع ذلك تجتمع تحت راية الوادي وحدوده وشروطه البيئية الخاصة.

يمكن تحديد تاريخ اليهود واليهودية بالمراحل السته التالية:

1-المرحلة الشفاهية البدائية، وهي المرحلة الفلسطينية الاولى التي يسودها الكثير من الغموض والفرضيات والمجادلات بين المؤرخين العلميين والفقهاء المؤمنين، وهي تتعلق بكل تاريخ اليهود السابق لفترة السبي البابلي. وتبدأ منذ الالف الثاني ق.م مع حكاية خروج النبي ابراهيم من أور العراق، ثم خروج اليهود من مصر مع النبي موسى، ثم تكوين دولتي اسرائيل ويهودا، حتى السبي البابلي (القرن السابع ق.م)([11])(لاحظ التفاصيل لاحقا).

2-المرحلة الكتابية البابلية (بين القرن السابع والقرن الاول ق.م)، والتي تحولت فيها اليهودية من انتماء جغرافي أقوامي لـ ( دولة يهودا في جنوب فلسطين) الى انتماء ديني واضح. ان هذا التحول الكتابي المتأثر الى حد بعيد بأنجازات الحضارة البابلية، قد وضع اليهودية في الطريق الى تخطي بدائيتها اللاّ أخلاقية والهها البشري البسيط ، نحو نوع من الاخلاق الانسانية والايمان باله سماوي وعادل. إذ قامت الجالية اليهودية في بابل بكتابة تراثها الشفاهي الحكائي والعقائدي في اسفار (أجزاء وفصول) مختلفة جمعت في كتاب واحد اسمه (الكتاب المقدس، العهد القديم)، الذي أطلق على اسفاره الخمس الاولى تسمية (التوراة ـ التراث) وهي التي نسبت الى (النبي موسى) شفاهياً أو كتابياً، بالاضافة الى (اسفار الانبياء) وغيرها. وأعقب الكتاب المقدس كذلك تدوين شروحات وجدالات دينية جمعت أيضاً في كتاب كبير اسمه (التلمود، أي التلمذة والتعلم)([12]).

3-المرحلة التنظيمية الانعزالية، وهي المرحلة الفلسطينية الثانية (بين القرن السادس والاول ق.م) وهي متداخلة زمنياً مع المرحلة البابلية. في فلسطين وتحت قيادة النخبة البابلبة القادمة بزعامة (ازاربيل) أولاً، ثم بعدها بقرن تحت قيادة (ناحيم وعزرا)، تحولت اليهودية الى ديانة محددة ومتمايزة عقائدية وعرقياً، من خلال فرض سيطرة رجال الدين (الحاخامات، أي الحكماء) وفرض الطقوس والاحتفالات وفرض العزلة والحرمة على الاختلاط بغير اليهود.

4-المرحلة العرفانية ـ العالمية (اليونانية ـ المصرية) (بين القرن الثالث ق.م حتى القرن الثاني ميلادي) حيث تحولت (الاسكندرية) المصرية الى مركز لتطوير اليهودية وانفتاحها على الفكر العرفاني الروحاني المشرقي مع الفكر اليوناني الفلسفي. كذلك ظهور الترجمة اليونانية للتوراة (الترجمة السبعينية) في القرن الميلادي الاول. وظهور الكثير من الكتابات اليهودية الروحانية المغايرة لمضامين الكتاب المقدس، وقد أطلق عليها (الاسفار المنحولة والاسفار غير القانونية)، وفيها ظهرت لأول مرة في اليهودية مفاهيم (خلود الروح والثواب والعقاب والجنة والنار) والتي أثرت كثيراً على الاجزاء المتأخرة من التلمود. ويبدو ان هذا التيار اليهودي الروحاني الجديد قد ساهم بالتمهيد لظهور المسيحية([13]). في هذه الحقبة بدأت اليهودية تتحول الى ديانة توحيدية سماوية كبرى معترف بتأثيرها الحاسم على باقي العقائد الكبرى السائدة في حوض البحر المتوسط والعالم القديم (اليوناني ـ الروماني).

5-المرحلة العربية ـ الاسلامية (بين القرن السابع والسادس عشر م) حيث انتعشت اليهودية في بغداد والاندلس والقاهرة. وبرزت تيارات اجتهادية شبيهة بالتيارات الاسلامية، مثل مذهب (القرائين) الرافضين للتلمود، المتأثرين بالمعتزلة في بغداد. وفي هذه الحقبة تأثرت اليهودية كثيراً بالتيار الروحاني (العرفاني التصوفي) الاسلامي، حيث برزت أسماء كبرى من أمثال (ابن ميمون) في الاندلس وكذلك تكون مذهب (القبالا) الذي أضاف لليهودية بعدها الروحاني الاشراقي.

6-المرحلة الاوربية ـ الصهيونية، (منذ سقوط الاندلس في القرن السادس عشر وحتى الآن). حيث بدأت خلالها اليهودية تتحول بالتدريج الى حركة قومية متعصبة بتأثير التطورات القومية الحاصلة في اوربا وكذلك معاناة اليهود من حياة العزلة (الغيتو) والعنصرية الاوربية التي بلغت ذروتها في إبادة ملايين اليهود في الحرب العالمية الثانية. وهذا الامر سهَّلَ كثيراً للحركة القومية اليهودية (الصهيونية) المتأثرة بالفكر العنصري والاستعماري الاوربي، أن تفرض سيطرتها على يهود العالم وتقودهم الى نوع من التعويض عن العنصرية والمذابح الاوربية، من خلال الانتقام من اخوتهم الفلسطينيين وتبرير طردهم وبناء دولة اسرائيل.

تاريخ اليهود قبل السبي

ان حال اليهود واليهودية قبل السبي البابلي غامض جداً، فما عثر الآثاريون والمؤرخون إلاّ على نتف من الآثار والمصادر الصغيرة التي تمنح بعض المعلومات غير المؤكدة عن تاريخ اليهود قبل السبي. يبقى (التوراة) هو المصدر الوحيد المتوفر حتى الآن عن تاريخ اليهود في تلك الحقبة. لكن المشكلة ان (التوراة) لم يكتب إلاّ بعد السبي في بابل. لقد اتفق المؤرخون والآثاريون على ان التاريخ الوارد في اسفار (التوراة)، ليس له أي دخل بالحقيقة، لأنه تاريخ شعبي فيه الكثير من الخيال والمبالغات، حاله حال كل أساطير وسير الشعوب، مثل اسطورة كلكامش، والالياذة، وسيرة بني هلال وسيرة عنترة([14]). فمثلاً لقد اقتنع المؤرخون بأن مملكة داود وسليمان العظيمة التي ملكت الجن والانس وأجبرت بلقيس ملكة سبأ على المجيء طلباً للأمان (حسب التوراة) ماهي إلاّ مشيخة صغيرة (دويلة صغيرة) مثل مئات المشيخات المتناثرة في المنطقة، بل ان هذه المشيخة من صغرها لم يرد لها أي ذكر في جميع المصادر والآثار التاريخية المكتشفة ولم تترك أي أثر حتى لو كلمة على صخرة أو قطعة نقدية أو اشارة واحدة في أي من الكم الهائل من الرسائل والوثائق المتبادلة حينذاك بين الدول. وليس لها أي ذكر إلاّ في التوراة وحدها لا أكثر. وهذا هو حال 80% من الحوادث والشخصيات التاريخية المذكورة في التوراة([15]). فمثلاً، من المبالغات المعروفة في اليهودية ادعائهم بأن (النجمة السداسية) هي (نجمة داود)، بينما كل البحوث التاريخية تؤكد إنها لم تستخدم من قبل اليهود إلاّ بعد القرون الوسطى في اوربا([16]). بالاضافة الى أنها رمز عالمي قديم وجد لدى المصريين والهنود.

ان التاريخ الحقيقي لليهود والمثبت آثارياً وتوثيقياً يبدأ منذ السبي البابلي في القرن السابع وحتى العصر الحديث، أما قبل ذلك، أي التاريخ التوراتي، فهو افتراضي وخيالي ومضخم جداً وقد استخدمته اسرائيل والصهيونية من أجل تبرير مشاريعها العنصرية الاستيطانية.

عقيدة اليهود قبل السبي

في كل الاحوال، إن كانت (التوراة) لا تصلح أن تكون مصدراً لكتابة التاريخ، فهي على الاقل تصلح لأن تكون مصدراً للكشف عن العقيدة التي كان يتبناها اليهود قبل السبي. ان قراءة الاسفار الخمسة التي تشكل التوراة، تكشف لنا على ان العقيدة السائدة في تلك المرحلة تتسم بصفتين: (اللا اخلاقية، والوثنية)([17]).

أولاً ـ الروح البدائية الحربية القائمة على القوة والمنافسة والخداع والتعصب، وممارسة طقوس الخضوع دون حس أخلاقي وأنساني : في (سفر الخروج 12 : 10ـ15 ) على لسان موسى يذكر أول دعوة لتنفيذ عقوبة الاعدام، ليس بحق من يعتدي على الآخرين أو يتجاوز الاخلاق، بل بكل بساطة بحق من (يأكل خميرا)! وهذا دليل على ان الجانب الطقسي الشكلي وليس الاخلاقي والانساني كان هو الاساس في تلك العقيدة. كذلك، يمكن لليهودي مسح الخطايا الاخلاقية من اعتداء وسرقة وفحش وخيانة، بواسطة تقديم القرابين (سفر اللاويين 6 : 1ـ 7 / كذلك 16: 20 ـ12 ). وهنالك قسوة وحشية في فرض الطقوس: إذ يكفي أي سلوك شعائري غير متقن ليستحق فاعله الموت حرقاً، كما حصل لأبني هارون عندما حرقهما (الرب يهوه) لمجرد انهما لمسا خطأ الموقد المقدس (سفر اللاويين 10 : 1ـ2 ). وحصل نفس العقاب الوحشي لرجل آخر لمجرد انه لمس خطأ تابوت العهد! (6: 3ـ8 ). ونكتشف الى أي مدى تسيطر الطقوس الشكلية البدائية، عندما نقرأ في (التوراة)، ذلك العدد الكبير من الاسباب التافهة التي يستحق عليها اليهودي عقاب الموت، منها: عدم غسل الكاهن ليديه ورجليه قبل الصلاة (الخروج 30 : 17ـ20 ). كذلك العمل يوم السبت. (الخروج 31 :15 ). كذلك العمل يوم الغفران (اللاويين 23 : 27ـ30 ). كذلك أكل الدم (اللاويين 17 : 10ـ11 ). كذلك معاشرة الزوجة الحائض (اللاويين 20 :18 ). كل هذه الامور تبرر موت الفاعل، فأية شريعة رحمة ربانية هذه؟!

وهنالك وصاية بدائية ساذجة وقاسية ودموية كثيرة في التوراة، منها مثلاً طلب الرب من موسى : (لا تصعد الى مذبحي على درج لئلا تنكشف عورتك) (الخروج 20 : 18ـ26 ). كذلك تبرير معاقبة الابناء حتى الجيل الرابع، للرجل الذي يقترف خطأ. (الخروج2 :5 ). كذلك الدعوة للانتحار الجماعي لمجرد تهدئة غضب الرب، بحيث أمر آلاف اليهود بأن يقتلوا بعضهم البعض حتى اخوتهم وأبنائهم. (الخروج32 : 27 ـ29 ). كذلك حللت عمليات الابادة الجماعية، كما فعل اليهود مع أهل مديان الكنعانية، إذ أمر موسى بقتل حتى الاطفال الاسرى من الذكور، وكل امرأة يمكن أن تحمل. (العدد32 : 8ـ18 ). نفس الامر حصل لمدينة أريحا الفلسطينية من مذابح جماعية سادية ومجانية شملت حتى المواشي، انتهت بحرق المدينة وأهلها. (يشوع 6 :21). نفس المصير لأهل مدينة عاي حيث تم ذبح 12 ألف انسان. (يشوع 8 : 23ـ24 ). وقام الرب بقتل سبعون ألف اسرائيلي لمجرد أن يسخر من داود. (24 : 1ـ17 ) على هذا المنوال فأن التوراة تمتلئ بهذه الجرائم وسفك الدماء والمحارق الجماعية المباركة من الرب يهوه.

كذلك تمتلئ التوراة بقصص الزنا وفساد المحارم والخيانات التي اقترفها أنبياء اليهود وشخصياتهم المقدسة، والغريب انها تظهر على انها مقبولة تماماً من قبل الرب: فها هو أبراهيم يرحل الى مصر ويدَّعي بأن زوجته ساره هي أخته ويوافق على أن تصبح زوجة للفرعون، لقاء حصوله على المال. (التكوين12 : 17 ـ20 ). نفس الفعل كرره اسحاق، لكن الملك اكتشف الامر وأنَّبَه على ذلك. (التكوين 26 : 3 ـ11 ). كذلك يقوم الشيخ يهوذا بممارسة الفحش مع زوجة ابنه تمارا وينجب منها طفلاً. (التكوين38). لقد غفر الرب لداود الذي استولى على زوجة أحد قادته الذي بعثه الى الموت، ثم أنجب منها ابنه سليمان (صموئيل الاول: 11و12 ). كذلك يقوم النبي لوط بالفحش مع ابنتيه وتحملان منه. (التكوين19 : 36 ـ38 ).

ولكي نكون عادلين في وصفنا للتوارة يتوجب التنبيه الى انها رغم امتلائها بالافعال اللاّ أخلاقية والدموية واللاّ أنسانية، إلاّ أنها تحتوي أيضاً على الكثير من الوصايا الاخلاقية والانسانية، التي تتناقض تماماً مع المضامين والافعال السلبية السائدة. فها هو عاموس يقول: ((اطلبوا الخير لا الشر لكي تحيوا.. وليجر الحق كالمياه، والبر كنهر دائم)). (5:14،21 ـ24 ).

ثانياً ـ غياب التوحيد والبعد السماوي عن الرب : إذ تكشف لنا التوراة عن اله بدائي جداً وقومي خاص باليهود يحمل عدة أسماء (يهوه) وأحياناً (ايل)، وكذلك (ايلهيم ، جمع ايل) ان الاله اليهودي أقرب الى الانسان العادي منه الى الاله، فهو يعيش بين البشر ويأكل ويشرب ويغار ويخدع، بل هو حتى يشتهي النساء!! (انك لا تسجد لإله آخر، لأن الرب اسمه غيور، اله غيور) (الخروج 34 :14 ). (إذا تركتم الرب وعبدتم آلهة غريبة يرجع ويؤذيكم ويفنيكم) (يشوع 34 : 14ـ20 ) (اله الآلهة. الرب إله الآلهة) (يشوع 22 :21). (الله قائم في مجمع الآلهة. في وسط الآلهة يقضي) (المزمور 82 : 1ـ6 ). وفي سفر التكوين في الاصحاح (18: 6   ـ 9)، يقوم الله بزيارة ودية لابراهيم ومعه اثنان من أتباعه، ويأكلون عَجَلاً ماطبخته سارة. كذلك في سفر التكوين (32: 22ـ30 ) يتصارع الرب (يهوه) مع يعقوب ويبدأ يصرخ من الألم والخسارة. وفي سفر الخروج (33 و24) يشاهد موسى وجماعته الرب على جبل سيناء، وأكلوا وشربوا في حضرته.

والغريب إن هذا الرب له علاقة إيجابية مع الشيطان رمز الشر. فها هو الرب يقول: ((أنا الرب وليس آخر، مصور النور وخالق الظلمة. صانع السلام وخالق الشر..)) (45 :76 ). واتخذ رمز الشر أسماء عدة، فهو تارة أسمه (عزازيل) وهو على علاقة صداقة بالرب، بحيث إن هارون يكلف الرب بأن يأخذ له قربانه (اللاويين 16 : 5 ـ10 ). وتارة اسمه (بلعيال)، فهاهم أتباعه يحاولون أن يغتصبوا ضيفاً. (19: 22 ـ23 ). وهنالك حالات كثيرة قام فيها الرب باستخدام الشيطان من أجل معاقبة الآخرين، كما فعل مع المصريين ( 12:23 )، وهو يحمل أحياناً أسم (المهلك)، فيقول الرب: ((أنا خلقت المهلك ليخرب)) (54 :16 ). كذلك يحمل أسم (شطن) أي الشيطان. وفي سفر أيوب يتفق الرب والشيطان على إقامة رهان لتجربة أيوب بتحمل المصائب. (1: 13ـ22 ).  

ما ذكرناه أعلاه، هو بعض الامثلة من الشواهد التي تمتلئ بها التوراة عن لا أخلاقية عقيدة تلك الحقبة، وكذلك بدائية الرب وفساده وتعدده وتخصصه بالعبرانيين وحدهم([18]).

الجدير بالذكر ان التلمود، لم يكن أقل سوءاً من التوراة، فهو يمتلئ بالحقد على غير اليهود (الغويوم ، العوام) وضد المسيحيين خصوصاً. أقلها ان غير اليهود ليسوا بشر، بل ان الله منحهم هيئة بشر ليصبحوا عبيداً لليهود! والطريف إن ترجمات التلمود كانت تبدل تسمية (الغويوم) و (النصارى) بتسمية أخرى حسب البلد والحقبة. ففي أنكلترا الاستعمارية أبدلت بـ (الهنود)، أو (الزنوج)، ولكن في أغلب الاحيان كانت تبدل بـ (أهل بابل) باعتبارهم يستحقون العنصرية واللعنة. كذلك (الاشماعيلي) أي العرب!!([19]).

الاصل البدوي البدائي للتوراة

ان قرائتنا لمضامين التوراة الذي ينسب الى موسى، ويعتبر المصدر الاقدم لثقافة اليهود، يدلنا على ان ثقافة اليهود الاولى وقناعاتهم الدينية التأسيسية، كانت بدائية جداً قائمة على مفاهيم القوة والحرب وانعدام البعد السماوي وهي أقرب الى العقائد البشرية الاولى قبل أن تمسها أخلاقيات الحضارة. وهذا يجعلنا نتفق مع الطروحات القائلة:

1-ان اليهود ما عاشوا في مصر طيلة قرون كما تدعي التوراة، وانما نسبوا لأنفسهم حكاية قديمة ربما اقتبسوها من إحدى الجماعات التي جاورتهم أو امتزجت بهم فيما بعد([20]). ليس من المعقول أن يعيش العبرانيون في مصر لعدة قرون ويمتزجوا بأهلها وحتى يصعدوا في نخبها الحاكمة (مثال يوسف مستشار الفرعون، وموسى ربيب الفرعون والقائد العسكري الكبير) ويتنعموا بكل مباهجها الحضارية، ولكنهم رغم ذلك ظلوا في ثقافتهم وفي عقائدهم بدائيين بدويين جداً، ولم تؤثر عليهم الحضارة المصرية قيد انملة، إلاّ ربما في اكتساب عادة الختان المصرية وتحريم لحم الخنزير، لا أكثر!([21]). فهم لم يكتسبوا من المصرين أهم خصلتين في ديانتهم : التوحيد والايمان باله الشمس الرحيم (آتون)، والايمان بيوم الحساب([22]).

2-ان اليهود ما كانوا جزءاً من الحضارة الكنعانية الفلسطينية ـ الشامية. علماً بأن عقيدة الكنعانيين تتشابه كثيراً مع عقيدة العراقيين حتى بأسماء الآلهة، إلاّ بعض الاختلافات الطفيفة. ان التوراة لم تحتوي من عقيدة الكنعانيين الدينية إلاّ نتف قليلة ليس لها حضور واضح: مثل أسم (ايل، وجمعه ايلهيم) ويعني (العالي) وهو أسم كبير الآلهة الكنعاني ـ العراقي، الذي تحول فيما بعد الى أسم (الله) باللفظ الآرامي. وأوضح الادلة على رفض التوراة لعقيدة الكنعانيين، انها تذكر (عشتار) الهة الانوثة والامومة (الكنعانية ـ العراقية)، بصورة سلبية وتأثيمية. فمثلاً يغضب (يهوه) من (سليمان) عندما يميل الى (عشتاروت) (سفر الملوك الاول 11 : 1 و4 و5 و33 / كذلك الملوك الثاني 23 و11). وهذا يدل على أن العبرانيين، كانوا عبارة عن تحالف قبائل بدوية تمكنوا من السيطرة العسكرية على مدن فلسطينية كنعانية، مثل أورشليم والسامرة، ولكنهم ظلوا كعشائر حاكمة منعزلة عن السكان الاصليين وثقافتهم وعقيدتهم. ولنا في التاريخ القديم وحتى الحاضر أمثلة كثيرة على تكوين بعض العشائر لسلالات حاكمة تبقى شبه منقطعة عن السكان. بل إن غالبية دول العالم القديم كانت قائمة على هذا المبدأ. لنأخذ مثال غالبية السلالات الملكية الحالية في اوربا، التي تعود الى عشائر جرمانية وأسكندنافية (الفيكنغ) بدائية محاربة غزت اوربا وفرضت سيطرتها منذ القرون الوسطى. كذلك حال بلدان الخليج والجزيرة العربية، حيث تمكنت عشائر بدوية محاربة من تكوين سلالات حاكمة تتمايز أحياناً حتى بمذهبها عن غالبية السكان الاصليين.

سياسة التهجير والسبي العراقية

عكس ما يشاع، فأن (سبي اليهود) الى (بابل) لم يكن حالة أستثنائية وخاصة باليهود وبغاية أستعبادهم، بل كان جزءاً من سياسة ظلت تمارسها السلطات العراقية، الآشورية ثم الكلدانية، طيلة قرون طويلة. فكان يتم نقل السكان من منطقة الى أخرى بطرق سلمية أو عقابية، من أجل تعمير الاراضي والمناطق. فمثلاً في القرن الثامن ق.م، تم نقل (30) ألف من سكان (حما) السورية الى المناطق الشرقية العراقية المحاذية لجبال زاغاروس من أجل تعميرها ولصد تسربات القبائل الجبلية، وبنفس الوقت قد تم نقل (18) ألف من سكان دجلة ليستوطنوا (حما) المسبية. في نفس هذا القرن أيضاً وعلى حملتين متتاليتين، تم نقل حوالي ربع مليون من سكان وسط وجنوب العراق من أنصار المتمردين الكلدان، أفراد وعوائل كاملة، الى شمال العراق، عقاباً لهم ومن أجل تعمير الاراضي والمستوطنات الجديدة. إن سياسة التهجير هذه كانت من القوة والاستمرارية بحيث بلغ عدد الذين تم نقلهم خلال ثلاثة قرون، داخل حدود الامبراطورية الآشورية التي شملت العراق والشام، (أربعة ملايين) شخص، أفراد وعوائل وعشائر. وهذا رقم هائل يدل على قوة سياسة التهجير المتبعة([23]) !

سبي اليهود

من المعلوم ان عموم بلاد الشام (بلاد الكنعانيين) وبالذات منطقة (فلسطين) ظلت دائما وفي كل حقب التاريخ ساحة صراع على النفوذ بين الدولتين العراقية والمصرية. وكانت هنالك دائماً أحزاب وأطراف من أنصار إحدى القوتين. إن عمليات سبي الفلسطينيين لم تشمل العبرانيين وحدهم كما يشاع، بل عموم شعوب منطقة الهلال الخصيب، بما فيهم سكان العراق. أما فلسطين فعمليات السبي شملت كنعانيين وعبرانيين وغيرهم، وانها تركزت على أنصار دويلة (يهودا ـ أورشليم) جنوب فلسطين، ودويلة (اسرائيل ـ السامرة) شمال فلسطين، بسبب ارتباطهما بمصر([24]). تحدثنا المصادر التاريخية عن فترتين من عمليات السبي:

ـ الفترة الآشورية بين القرنين التاسع والسابع ق.م واشتملت على عدة حملات سبي ضد يهودا واسرائيل، وإن تركزت أكثر على (اسرائيل)، التي اختفت بعدها من الوجود عام 721 ق.م. وتتفق المصادر على رقم مبالغ بعدد المسبيين يبلغ عدة مئات من الآلاف! لكن ميزة هذه المرحلة ان المسبيين قد اختفوا من التاريخ لأنه تم توزيعهم في أنحاء المناطق الجبلية العراقية والايرانية، وذابوا وأصبحوا جزءاً من سكان المنطقة ([25]).

ـ الفترة الكلدانية، على يد (نبوخذ نصر)، في حملتين (597 و586 ق.م) وقد تركزت على(يهودا)، وقد بلغ عدد المسبيين أكثر من 50 ألف، بغالبيتهم من النخب العليا: ((كل الرؤساء وجميع جبابرة الناس ... وجميع الصناع والاقيان. ولم يبق أحد إلاّ مساكين شعب الارض)) (سفر الملوك الثاني 24 : 14). في هذه المرحلة لم يتم تشتيتهم، بل جمعوا في منطقة بابل (وسط وجنوب العراق) مما سمح بتشكلهم كجالية متميزة. بما أنهم كانوا كلهم من سكان يهودا، لهذا شاعت تسمية (اليهود) كتسمية أقوامية وليست دينية، ولكن مع الزمن تحولوا الى طائفة دينية خاصة([26]).

ظهور النخب اليهودية العراقية

(ان بابل كأس ذهب بيد الرب تسكر كل الارض . من خمرها شربت الامم)

                                                         (التوراة ـ أيرميا 51 : 7)

على عكس الصورة السائدة، ان يهود بابل ما كانوا مسبيين مضطهدين، بل هم مندمجين في المجتمع البابلي حتى بلغوا طبقاته العليا. وقد منحهم (نبوخذ نصر) أراض خصبة على الفرات وقدم لهم الدعم من أجل أن يسكنوا فيها ويعيشوا بسلام([27]). ان المصادر التاريخية ومن ضمنها مصادر يهودية تعترف بأن (نبوخذ نصر) قد سمح للأسرى أن يصحبوا عائلاتهم وينقلوا معهم ممتلكاتهم ومواشيهم، وانه وهب اليهود أخصب مقاطعاته وأسكنهم فيها مثل منطقة (نفر) (نيبور) التي كانت تُعد من أغنى مقاطعات بابل، ومنحهم كذلك أوسع الحريات في العمل وممارسة طقوسهم الدينية، وكانت السلطات الحاكمة تعاملهم على أحسن وجه. ولقد استفاد اليهود كثيراً من الامتيازات التي منحهم إياها الكلدان، فأتقنوا الحرف والصناعات المختلفة، وتدرجوا في الطبقات العليا وعظم شأنهم بين البابليين. أصبحوا في غضون مدة وجيزة أغنى أهل بابل، فبعضهم امتلك الأراضي الزراعية والبعض الآخر كان يزرع بالفعل على الأراضي التي أقطعت لهم، وقد حفروا شبكة من جداول الري والقنوات لإيصال المياه السيحية إلى مزارعهم، وأنشأوا الحقول والبساتين ووجهوا عنايتهم لوقايتها من الغرق، فأقاموا السدود ونظموا أعمال الري على أحسن وجه، وقد اعتنوا عناية خاصة بتطهير الجداول والمبازل من الراسبات الغرينية، بحيث تحوَّلت هذه المنطقة إلى حقول مثمرة، وكان يعمل بعضهم في حقل التجارة، ويرى البعض أنه لولا أنبياء المهجر الذين كانوا لا ينفكون عن تنبيه اليهود إلى أخطار الانصهار وحثهم على ضرورة التفكير في العودة إلى يهوذا لانصهر اليهود في الشعب الكلداني إنصهاراً تاماً بسبب ما توافر لهم من رغد العيش والأمن والاستقرار.

إن النقطة المهمة التي تستحق التذكر، إن هؤلاء اليهود المسبيين في بابل، كانوا بغالبيتهم الساحقة من أفراد النخب العليا في فلسطين، من رجال دين ومتعلمين وحرفيين وغيرهم. علماً بأن هذا الاختيار النخبوي كان شائعاً في سياسة التهجير العراقية، لأن السيطرة على النخب العليا تسهل السيطرة على الناس والبلدان. لكن هذه النقطة بالذات كانت العامل الحاسم في جعل الجالية اليهودية في بابل، نشطة وفعالة وقادرة على الاستيعاب السريع والكبير للحضارة البابلية والصعود في نخب المجتمع البابلي العليا، وبالتالي التمكن من لعب الدور الحاسم بتأسيس العقيدة اليهودية. جميع دلائل التاريخ تؤكد هذه الصورة الايجابية :

ـ ان الثقافة اليهودية وكتبها ومدارسها ومبدعيها، نشأت في بابل. فيها ظهر نبيهم حزقيال (586 و 538 ق. م) الذي كتب (سفر حزقيال). كذلك ظهر (النبي إشيعيا الثاني 550 وسنة 540 ق.م) الذي يعتبر من أهم اللذين طوَّروا اليهودية ومنحوها بعدها القومي والخلاصي. (طالع سفر إشعيا). كذلك قام (عزرا) بتنظيم اليهودية في فلسطين وجعلها ديناً محدداً بالطقوس والواجبات، وقام بجمع اسفار التوراة (القرن الخامس ق.م) ومات في العراق، كذلك (النبي ناحوم) الذي قاد حملة العودة الى فلسطين وأعاد بناء الهيكل([28]). كما أسست في العراق معابد ومدارس دينية يهودية لعبت دوراً حاسماً في بناء الثقافة اليهودية. وان (الكتاب المقدس ـ العهد القديم)، قد كتبه فعلياً اليهود المقيمون في بابل، حيث استلهموا أولاً تراثهم الشفهي البدوي البدائي الذي جلبوه معهم من فلسطين، ومزجوه مع تراث الديانة العراقية (البابلية) وأساطيرها المعروفة، مثل أسطورة التكوين والطوفان وقصة موسى، وآدم وحواء. أما كتابهم التشريعي (التلمود البابلي) فقد كتبوه أيضاً في بابل مستلهمين الثقافة القانونية العراقية ومن أهمها (شريعة حمورابي).

ثم ان غالبية اليهود رفضوا العودة الى فلسطين، بعد سقوط بابل وتشجيع المحتلين الفرس لهم. بل ان بابل بقيت محطة إنقاذ لليهود حيث كانوا يلجأون إليها كلما سائت أحوالهم في فلسطين. لكن الموقف السلبي من بابل ظهر بعد سقوط بابل لدى بعض الأقليات المتعصبة، فأدعوا إنهم كانوا مسبيين مضطهدين في بابل : ((على ضفاف أنهار بابل جلسنا، وذرفنا الدموع حينما تذكرنا صهيون. / المزامير ـ 137 ـ 1)). وقد بلغ التعصب لدى هذه الأقلية المتشددة إلى حد أنهم دعوا إلى الانتقام من البابليين بل وحتى قتل أطفالهم :

(يا إبنة بابل الراحلة الى الخراب، طوبى لمن يجازيك ما كافأتينا به، طوبى لمن يمسك أطفالكِ ويضرب بهم الصخرةََ / المزامير 136 : 8 : 9).

وأكبر دليل يدحض هذا الادعاء بمعاناة اليهود في بابل، إنهم استمروا باللجوء الى العراق، حتى قيل إن عددهم بلغ المليون، بعد خراب أورشليم على يد الرومان عام 70 م!([29]).

إن دور النخب اليهودية البابلية الحاسم والقيادي في إبداع وتطوير اليهودية، لم يقتصر فقط على المرحلة الاولى للتأسيس الديني، بل استمرت على مراحل متواصلة عدة بلغت أكثر من 1500 عام، أي من الحقبة البابلية في القرن السابع ق.م حيث تكونت الجالية اليهودية في بابل، مروراً بالحقبة ألآرامية المسيحية في ظل السيطرة الخارجية الاجنبية، حتى الحقبة الحضارية العربية الاسلامية، الى أن أنتهى الدور اليهودي العراقي الابداعي مع انتهاء الدور الحضاري للعراقيين عموماً مع سقوط بغداد العباسية عام258 م.

 

* * *

الدور العراقي في تأسيس اليهودية

الشمعدان اليهودي بفروعه السبعة، ويعتقد اليهود إنه رمز الشمعدان الأكبر القديم - المصنوع من الذهب الخالص الذي كان يوضع داخل خيمة الاجتماع في هيكل سليمان. وجاء في سفر زكريا (4 /11- 13) أن شعلاته السبعة - أعين الإله الجائلة في الأرض كلها. لكن بعض اليهود يعتقدون بأن شعلاته السبعة ترمز إلى الكواكب السبعة. علماً بأن الرقم سبعة مقدس لدى العراقيين القدماء لأنهم كانوا يعبدون الكواكب المقدسة السبع التي كانت معروفة في تلك الحقبة

 

تدل جميع الوثائق الآثارية والتاريخية التي تم العثور عليها في الشرق الاوسط، على ان اليهود واليهودية قبل السبي البابلي (القرن السابع ق.م) لم يرد لهم إلاّ نتف عابرة وغامضة لاتوحي بأية أهمية أو دور واضح. فليس هنالك أية إشارة تدل على وجود ديانة ما أسمها (اليهودية). وكل ما تذكره المصادر هي إشارات عابرة عن دويلات صغيرة (مشيخات) في فلسطين إسمها (إسرائيل) و (يهودا). يعني مثل جميع الدويلات التابعة التي تأسست في المنطقة عبر التاريخ، مثل مواب وادوم والبتراء والحضر وبصرى والحيرة، وغيرها.

ولم يدخل اليهود التاريخ السياسي والديني، إلاّ بعد السبي البابلي ومن خلال الدور الفعّال والحاسم للجالية اليهودية في بابل، بحيث يصح إن تأسيس اليهودية كديانة متكاملة تم في بابل، وان اليهودية تعتبر ديانة عراقية أولاً قبل أن تأخذ بعدها العرفاني الروحاني العالمي. يمكن تحديد الدور العراقي في تأسيس اليهودية بالمراحل الثلاثة التالية:

أولاً : تدوين الكتاب المقدس في بابل // ثانياً : قيام يهود بابل بنقل اليهودية الى فلسطين// ثالثاً : كتابة التلمود البابلي.

أولاً : تدوين الكتاب المقدس في بابل

إن (الكتاب المقدس ـ العهد القديم) يتكون من قسمين: (التوراة) وتضم الاسفار (أي الكتب أو النصوص) الخمسة الاولى التي تنسب الى النبي موسى. ثم اسفار الانبياء، وهي كتب أنبياء اليهود، ونصوص تاريخية وتسبيحية متنوعة، مثل (المزامير ـ الزبور) داود. ويدعي اليهود ان هذه الاسفار قد كتبت بالعبرية (فرع من الكنعانية الفلسطينية)، لكن الوثائق التاريخية تميل الى انها قد كتبت في بابل باللغة الآرامية الشرقية (العراقية).

يتفق غالبية الباحثين في تاريخ الكتاب المقدس، إنه قد كتب من قبل اليهود أثناء سبيهم في (بابل) بين القرن السابع حتى القرن الثالث ق.م([30]). أو في أحسن الاحوال، انهم أعادوا كتابته بالاعتماد على ما ورثوه من لفافات متنوعة المصادر والتواريخ والحاوية على معلومات متناقضة ومتكررة، بالاضافة الى ما حفظته ذاكرتهم. ان هذا التناقض والتكرار في أخبار وحكايات التوراة هو الذي جلب انتباه الباحثين الاوربيين منذ القرن السادس عشر، بل إن أول من أعلن شَكَّه بأن كاتب التوراة هو (موسى)، الفيلسوف اليهودي (سبينوزا)([31]). لقد دونت باللغة الآرامية العراقية، وبالاعتماد على المصدرين التاليين:

1-الميراث الشفاهي الفلسطيني المحفوظ في ذاكرة العبرانيين من حكايات وأساطير ومعتقدات، جلبوها معهم من حياتهم السابقة في فلسطين. وهذا التراث الشعبي، حاله حال أي تراث شفاهي فيه الكثير من الصحيح والكثير الكثير من الخيالي والمضخم. ولنا مثال على ذلك السِيَرْ الشعبية العربية عن عنتر والبسوس وبني هلال، التي أخذت أحداثاً وشخصيات تاريخية حقيقية ولكن ضَخَمَتْها أضعاف وأضعاف وأعادة ترتيبها زمانياً ومكانياً. وهذا يفسر ما جرى مع التاريخ اليهودي الفلسطيني الوارد في التوراة عن خوارق النبي موسى وبطولات داود والملك سليمان الذي حكم الانس والجن، وغيرها من المآثر المضخمة والمتخيلة، والتي لم يتم العثور أي سند آثاري ولا تاريخي يؤكد صحتها. فالتوراة لها قيمة أدبية ودينية وتراثية، ولكنها لا يمكن أبداً أن تصلح كسند تاريخي.

2-الثقافة البابلية العراقية بجميع مخزونها العريق الديني والادبي والعلمي، التي شَكَلَّتْ المصدر الثاني الكبير أو ألمصهر الذي أعاد فيه اليهود صياغة ميراثهم الشفاهي وتجديده شكلاً ومضموناً. وبسبب تأثير الثقافة البابلية عليهم ونشوء نخبة متعلمة قرر اليهود حينها كتابة تاريخهم الشعبي وعقيدتهم الدينية الشفاهية، في كتاب أسموه (التوراة، أي التراث) وهذه التسمية بحد ذاتها تدلنا على الغاية من هذا الكتاب، أي (حفظ تراث الاسلاف)([32]).

وهذا يفسر إحتوء التوراة على الكثير من الميراثات العقائدية والثقافية العراقية، بحيث يصح القول ان التوراة أقرب ما يكون كتاباً بابلياً. إذ يتفق الباحثون على اقتباس التوراة للأمور التالية من الميراث العراقي القديم:

ـ اسطورة خلق الكون والانسان/ جنة عدن والفردوس المفقود / الطوفان ونوح/ قصة هابيل وقابيل/ أصل الانسان واللغات وبرج بابل/ طفولة سرجون وطفولة موسى/ محاربة قوى الشر/ غضب الرب وانزال الكوارث/ العهد بين الرب والعبد/ قوانين حمورابي والوصايا العشر/ البكاء على تموز وانتظار المُخَلّصْ/ أناشيد الزواج المقدس والمزامير ونشيد الانشاد/ صبر أيوب/ وغيرها من الحكايات والرموز التي لا تعَّد. أما من الناحية الدينية فأنهم اقتبسوا الكثير من الميراث العراقي ومعتقداته الدينية: اقتبسوا يوم (السبت)([33]) الذي كان يوم عطلة (سبوت وراحة) ونهاية الأسبوع لدى العراقيين. والطقوس والأزياء ([34]). أما عادة الختان فقد جلبها معهم اليهود من فلسطين وربما هي بتأثير مصري.

ثانياً : يهود بابل يعيدون تشكيل اليهودية في فلسطين

تمكن الفرس من اسقاط (بابل) سنة 539 ق.م التي كانت آخر دولة عراقية في العصر القديم. أصدر الملك قورش مرسوماً بدعوة اليهود وتشجيعهم من أجل الرجوع إلى ديارهم وإعادة بناء الهيكل في أورشليم، لكن غالبية اليهود رفضوا العودة، بل فقط فريق منهم بقيادة (زوربابيل) حفيد (يهوياقيم) ملك يهودا الأخير. هكذا جاءت القافلة الأولى الى فلسطين مؤلفة من عدة عشرات الآلاف من اليهود ومعهم الآلاف من عبيد بابل من غير اليهود. إن رفض الغالبية هجر بابل يعود الى أنهم كانوا يعيشون حياة رخاء، وخصوصاً الأثرياء منهم وأصحاب المناصب. كما إن غالبية الجيل الأول من السبي قد توفوا، حيث مضت أكثر من ستين عام على السبي، ولم يكن الجيل الثاني المولود في العراق يشعر بالحنين إلى فلسطين.

عزرا البابلي منجز الدين اليهودي

كان اليهود العائدون الى فلسطين، متعصبون حتى ضد إخوانهم الذين بقوا في فلسطين، بحيث عاملوهم باحتقار باعتبارهم منحرفين لأنهم قد تزاوجوا مع إخوتهم الكنعانيين([35]). ولكن رغم ذلك التعصب والحماس، فأن مشروع إعادة بناء الهيكل ما كان ناجحاً، حتى بعد مرور أكثر من قرن على العودة. بعد ذلك قام (نحميا وعزرا) بمحاولة ثانية لترتيب حال اليهود هناك. في عام (444 ق.م ) رحلا من بابل الى فلسطين وقد اصطحبا معهما ألف وسبعمائة يهودي بابلي. لقد تمكن (عزرا) بعد جهود كبيرة من إنشاء تنظيم ديني صارم أجبر يهود فلسطين بالقسم على التمسك بعهد موسى، ورفض تزويج بناتهم لغير اليهود، بل حتى التخلي عن زوجاتهم غير اليهوديات واعتبار نسلهم أبناء زنا. وصار الكهنة هم الحكام الآمرين. إن هذه المجموعة البابلية بقيادة عزرا هي التي قامت بكتابة ما سمي فيما بعد بـ (التلمود الفلسطيني). ومنذ ذلك الحين صارت اليهودية ديانة محدودة ومتميزة، تحمل صفات الانغلاق العرقي والديني. وأمست الطقوس الشكلية مقدسة وصارمة مثل يوم السبت والصلاة في هيكل أورشليم والاحتفال بالاعياد والمناسبات اليهودية المعروفة([36]).

ثالثاً : كتابة التلمود الفلسطيني والبابلي

التلمود كتاب ضخم جمعت فيه أحاديث اليهود وأحكامهم وفقههم وكل كتاباتهم التي أعقبت انجاز التوراة، خلال حوالي ألف عام، أي من القرن الخامس (ق.م) حتى القرن الخامس الميلادي. إن كلمة (التلمود) تعني (التلمذة والتعلم).

لقد بقي العراق المقر الاساسي للديانة اليهودية، حتى بالنسبة ليهود فلسطين. فرغم انتقال الكثير من اليهود الى فلسطين (أرض الميعاد)، إلاّ أنهم بقوا دائماً متعلقين بأرض بابل، لهذا تراهم كانوا ما أن يتعرضوا الى ضائقة في فلسطين، سرعان ما يلجأوا الى العراق، وهنالك وقائع كثيرة تؤكد هذه الحالة. ففي سنة63 ق.م عندما سقطت الدولة المكابية اليهودية في فلسطين على يد الرومان، هاجر الآلاف من اليهود ولاسيما من رجال الدين إلى أرض بابل([37]). لقد ظل علماء يهود بابل فعّالين حتى في المدارس اليهودية في فلسطين. فهاهو الرابي (أبا عريقا) ينتقل من العراق إلى فلسطين ويؤسّس أكاديمية (سورا) ويذكر عادة بلقبه الشائع (راب) كذلك (صموئيل) الفلكي والطبيب.‏

لقد ظهرت في بابل جماعة أطلق عليها (سوفريم) وتعني الكتّاب وهم الذين أولوا إهتماماً بكتابة التوراة والاحكام الدينية، ومن أبرزهم الكاتب عزرا الذي جاء الى فلسطين من بابل، في القرن الخامس ق. م ويعتبر أبرز شخصية ظهرت في أوساط اليهود بعد شخصية النبي موسى. إذ قام بتطوير العقيدة اليهودية من خلال استخراج نصوص من كتاب العهد القديم تعنى بمتطلبات المجتمع اليهودي، وكانت خطوته تلك بداية للسنة الشفوية. ثم راج بعد عزرا أسلوب في تفسير وتأويل النصوص الدينية يسمى (مدراش) ومعناه (البحث والتتبع)، لأن العلماء تتبعوا على ضوئه المعاني الكامنة في التوراة، بغية وضع الحلول لجميع المسائل والمستجدات.

وكانت هناك مجموعتان من تلك الخلاصات، إحداها تكونت في فلسطين وتسمى تلمود أورشليم، والأخرى كتبت في العراق وتسمى التلمود البابلي، وهو أكثر استفاضة وأهمية. وبينما انتهى التلمود الفلسطيني بحدود عام 400 ق.م.، فإن التلمود البابلي قد ضم إضافات إلى نحو عام 500 م. إن التلمود البابلي ثلاثة أضعاف التلمود الفلسطيني، حيث تبلغ صفحاته أكثر من خمسة آلاف، وقد ترجم الى العديد من اللغات([38]).

إذن يعتبر التلمود أشبه بدائرة معارف ضخمة بكل ما يتعلق بأسس الديانة اليهودية، وهو المصدر الاساسي للتشريع اليهودي. وبما أنه اكتمل بعد أنتشار المسيحية، فأنه يتضمن الطعن بالسيد عيسى المسيح، لهذا رفضه المسيحيون، وبسببه عانى اليهود في اوربا من الاضطهاد، وكانت عملية حرق التلمود أمر شائع لدى الكاثوليك.

تحول اليهودية الى ديانة متميزة

من المعلوم انه حتى فترة السبي كانت تسمية (اليهود) خالية من المعنى الديني، إذ تعني (سكان يهودا ـ أورشليم) جنوب فلسطين ومع الزمن شملت أيضاً سكان (اسرائيل ـ السامرة) شمال فلسطين. لهذا فأن (يهود) بابل هم أول من بدأ بإضفاء الطابع العقائدي الديني على جاليتهم. في بابل اتخذت تسمية (اليهودية) معناً دينياً. وقد احتاجت عملية التأسيس الديني الاولى حوالي أربعة قرون (بين القرنين السابع والثالث ق.م) تمثلت بالتدوين التوراتي والجدال والتنظير البطيء. في القرن الثالث ق.م بدأت تسمية (اليهود) تتخذ معناً دينياً وإسماً لطائفة تمتلك عقيدة وكتاباً مقدساً أسمه (التوراة). أما أول من أشار بصورة رسمية وكتابية إلى (عقيدة اليهود) باليهودية هو المؤرخ اليهودي الفلسطيني (يوسيفوس فلافيوس ـ القرن    الاول م) في الاسكندرية، وذلك بالمقارنة مع (الهيلينية): ((عقيدة أهل مقاطعة يهودا مقابل عقيدة سكان مقاطعة هيلاس)). فالمصطلح إذن بدء إسماً أقوامياً جغرافياً ثم بالتدريج في بابل اتخذ مضموناً دينياً([39]).

يهود بابل ينشرون اليهودية في العالم

عام 334 ق.م تمكن الإسكندر المقدوني ( 356ـ323 ق.م) من القضاء على الدولة الايرانية، والسيطرة على العراق وعموم الشرق. وقد اختار (بابل) لتكون عاصمة امبراطوريته العالمية، لكن حلمه لم يتحقق حيث مات في بابل، المدينة التي كان يجلها. في هذه الحقبة اليونانية بدأت تبرز مراكز ثقافية يهودية جديدة منافسة لدور بابل، وبالذات (الاسكندرية) في مصر.

فقد نقل الاسكندر الكثير من يهود بابل وفلسطين الى مدنه الجديدة التي كوَنَّها، ومنها بالذات (مدينة الاسكندرية)، التي تحولت الى مركزاً أساسياً للثقافة اليونانية، وتحت ظلها انتعشت كذلك الثقافة اليهودية. كذلك قام الملك (أنطيوخس الثالث) (323 ـ187 ق.م) خليفة الاسكندر، بنقل ألفي أسرة يهودية عراقية مع أجهزتها الحربية إلى ليديا وفريجيا في آسيا الصغرى لتأسيس حامية منهم هناك موالية لحكم السلوقيين. ومن هؤلاء بدأت الجاليات اليهودية تنتشر في اليونان وعموم البحر المتوسط.

يمكن القول إن (الاسكندرية) قد نقلت الديانة اليهودية الى المرحلة الرابعة المكملة للمراحل الثلاث السابقة. في الاسكندرية برزت شخصيات يهودية استوعبت جيداً الثقافة اليونانية ولعبت دوراً كبيراً في التأثير على الثقافة اليهودية وترجمة كتبها الى اليونانية، أمثال الفيلسوف (فيلون الاسكندري القرن الاول الميلادي) الذي أدخل الى اليهودية (العرفان ـ الغنوص) الاسكندري المسمى بـ (الافلاطونية الجديدة). كذلك المؤرخ الكبير (يوسيفوس فلافيوس ـ القرن الاول م)) وهو يهودي فلسطيني عاش في الاسكندرية وكتب تاريخ اليهود وعرف به عالمياً. كذلك قامت النخبة اليهودية هنالك في القرن الثالث ق.م، بتكوين لجنة من سبعين شخصية لترجمة التوراة الى اليونانية، واستغرق هذا المشروع حوالي ثلاث قرون، حتى القرن الميلادي الاول، وسميت (الترجمة السبعينية) التي حولت التوراة الى مصدر ثقافي عالمي.

* * *

الخلاصة

    اليهودية  بين دنيوية البابلية وسماوية العرفانية

                         

إن الخطأ الكبير الذي وقع به غالبية من تعاملوا مع موضوع اليهودية، انهم خلطوا بين نوعين من اليهودية:

ـ اليهودية الاصلية، أي يهودية العهد القديم والتلمود، وهي اليهودية الاصلية الرسمية التي نشأت في بابل وبقيت محصورة لحوالي ألف عام بين الجاليتين اليهوديتين في العراق وفلسطين، وهي يهودية بابلية دنيوية.

ـ اليهودية المحدثة، أي اليهودية الروحانية العرفانية التي نشأت خصوصاً في الاسكندرية وعالم البحر المتوسط. وتعود جذور هذا التحول الى فلسطين والعراق مع السيطرة اليونانية على المنطقة منذ القرن الرابع ق.م وقد تعزز هذا التحول نحو الروحانيات والفلسفة في الاسكندرية التي تحولت الى مركزاً أساسياً للنشاط الثقافي اليهودي. وقد بلغ هذا التطور الروحاني ـ الفلسفي ذروته في العصر الاسلامي في بغداد أولاً ثم خصوصاً في الاندلس مع مذهب القبالا، وهو المذهب الروحاني التصوفي (السماوي التوحيدي) المأخوذ من التصوف الاسلامي.

يهودية العهد القديم والتلمود

الديانة اليهودية، بصورة ما، تعتبر ديانة عراقية([40]) أولاً، مع بعض التأثيرات الكنعانية الفلسطينية. ويمكن تحديد الخواص البابلية في اليهودية كالتالي:

1-اليهودية عقيدة أرضية دنيوية وليست سماوية:

إن النقطة الاساسية التي تجمع بين العقيدة اليهودية والديانة العراقية (البابلية ـ الآشورية)، هي :

((الايمان بالحياة الدنيا فقط والاعتماد على رب سماوي جبار بانتظار المسيح المنقذ، أي تموز لدى العراقيين)). أي أن الديانتين العراقية واليهودية، ليست سماويتين، بل (دهريتين دنيويتين) لأنهما لا تؤمنان بالحياة الأخرى([41]). فليس هنالك يوم حساب وجهنم وجنة موعودة، بل ان الانسان خيره وشره يلاقيه في حياته، ولا تخلده إلاّ أعماله ونسله. ويمكن اختصار هذه الفكرة بمقولة كلكامش الشهيرة: ((لقد قدرت الآلهة الفناء للانسان/ واستأثرت بخلود الحياة/ فاملأ بطنك بملذات الطعام/ وابتهج ماشئت ليل نهار/ فهذا هو نصيبنا من الدنيا))([42]). لكن يتوجب التأكيد على انه رغم (دنيوية) الديانة العراقية، إلاّ أنها كانت (أخلاقية) تبتغي العدالة والانسانية، ويكفينا دليلاً (شريعة حمورابي).

ان العقيدة السماوية الحقيقية لم تبدأ مع اليهودية الاصلية، بل مع (العقيدة العرفانية ـ الغنوصية) التي تعتبر المسيحية والصابئية من أولى أديانها([43]). هنالك خطأ كبير وقع فيه معظم مؤرخي اليهودية، عندما اعتقدوا إنها متأثرة بالديانة المصرية، إعتماداً على ادعاءات التوراة نفسها بأن المؤسس الأول لليهودية (النبي موسى) قد عاش في مصر. والحقيقة ان اليهودية الاولى خالية تماماً من جوهر الديانة المصرية: ((الأيمان بالحياة الاخرى ويوم البعث والحساب)). وهذا الايمان المصري هو الذي تبنته العرفانية. بينما (اليهودية) تحمل جوهر الديانة العراقية : الايمان بالحياة الدنيا فقط والاعتماد على رب سماوي جبار بانتظار المسيح ـ تموز ـ المنقذ. وان الحياة الأخرى مجهولة ويوم الحساب غائب. وإن روح الميت، كما في الديانة العراقية والكنعانية كذلك، تذهب الى (العالم السفلي) الذي يسمى بالعبرية (شيؤل) وقد ترجمت الى العربية بـ (الهاوية، والجب الاسفل، والحفرة السفلى). واليها يذهب الاخيار والاشرار دون أي ثواب وعقاب.(طالع: سفر الامثال27 : 207 / كذلك: أيوب 10: 21ـ 22 و7: 9 ـ 10/ كذلك التكوين 37 :36 ) والكثير من السور.

حتى مفهوم الجنة في اليهودية يماثل الديانة العراقية. فأن (جنة عدن) المذكورة في التوراة، هي جنة مفقودة منذ أن طرد منها (آدم)، وهي تمثل الماضي ولا توجد في المستقبل. وموقع هذه الجنة في العراق بين آشور والفرات. (التكوين 2 : 7 ـ 16). وهي شبيهة بجنة (دلمون) التي تحدث عنها السومريون. أما جنة المستقبل بالنسبة لليهودي هي (فلسطين الارض الموعودة). إن وعد اليهودية وعد أرضي وليس سماوي.

وأيضاً على طريقة العراقيين والكنعانيين، فأن الثواب والعقاب يتم في الحياة الدنيا وليس الآخرة، عبر زيادة الرزق والعمر والصحة: ((أكرم أباك وأمك لكي يطول عمرك في الارض التي يعطيك الرب الهك)). (الخروج 20 :12) و (( يا ابني لا تنس شريعتي ولا ينس قلبك وصاياي، فإنها تزيدك طول إيام وسني حياة وسلاماً)). (الامثال 3 : 1ـ2 )([44]).

2-اليهودية عقيدة تعددية وليست توحيدية :

ثمة فكرة تاريخية خاطئة فرضت نفسها لأسباب عديدة، تعتقد بأن (اليهودية) تمثل قطيعة تامة مع الماضي (الوثني التعددي) وإنها تمثل ولادة مرحلة جديدة من الميراث الديني التوحيدي. لكن الدلائل التاريخية تشير الى العكس تماماً : ان اليهودية هي (خاتمة) لمرحلة (الوثنية) السابقة. صحيح إنها شكلياً تخلصت من تقديس (الأصنام) والصور، لكنها لم تتخلص من التعددية، كما يعترف بذلك كل من بحث في اليهودية. هنالك الأله (يهوه) الذي هو اله خاص باليهود وليس البشرية جمعاء. وهنالك أيضاً (ايلهم) وتعني حرفياً (الآلهة)، وهذا دليل على الاصل التعددي ليهودية التوراة([45]). ثم ان الأهم من كل هذا إن اليهودية تعتبر ان (يهوه) ربها القومي الخاص بها، وهذا يعني إنها تقر بأن لكل قوم إلههم الخاص، وهذا ينسف تماماً فكرة التجريد والتوحيد المبنية أساساً على الاعتقاد بوجود (رب واحد) لكل الأمم ولكل الكون. وهذه الفكرة المطلقة لم تتوضح إلاّ فيما بعد في (العرفانية التوحيدية).

3-اليهودية عقيدة عرقية إنعزالية :

أما الخاصية الجوهرية الكبرى التي ميزت اليهودية عن جميع الاديان، إنها جعلت (الانتماء العرقي العبري اليهودي) أمراً إلهياً مقدساً. بل الاعظم من هذا، إنها آمنت بأن هذا (الانتماء القومي اليهودي) يجب أن يكون أمراً مقدساً من قبل الانسانية جمعاء!! والطريف إن اليهود قد كونوا هذه العقيدة القومية المقدسة في (بابل)، بل اقتبسوها من جوهر الديانة العراقية: عقيدة تموز المخَّلص.. كيف؟!ّ

إن عقيدة المخَّلص كانت جوهر الديانة العراقية منذ السومريين حتى مجيء المسيحية، أي خلال أكثر من 3000 عام. وهذه العقيدة بأختصار، إن إله السماء (ايلو ـ العالي) يبعث (تموز ـ من السومري وتعني الابن المنبعث أو المخَّلص)([46]) ابنه أو روحه أو قوى خصبه الى الارض (عشتار) لكي يخصبها وينشر الحياة لدى البشر. وهذا يحصل عادة في مطلع الربيع (21 نيسان) وهو بداية السنة العراقية. ثم يغيب عند أول الصيف والجفاف (شهر تموز) حيث يظل يعاني في (ظلمات العالم السفلي) من أجل العودة الى البشر ومنحهم الخصب، وتظل (عشتار ـ الهة الارض والخصب الانوثي) تكافح كل العام وتدخل العالم السفلي وتقنع الهة الموت بتحرير (تموز) الذي يعود من جديد لكي يخَّصب الارض ويعيد الحياة الى البشر. لهذا فأن العراقيين كانوا يصَلون طيلة العام من أجل (عشتار) لكي تعينها الآلهة وتتمكن من العودة بـ (تموز) المخَّلص مانح الخضرة والحياة([47]).

إن (عقيدة المنقذ ـ المهدي المنتظر) هذه، قد تبناها اليهود، أولاً بصورة مقاربة للبابليين، إذ تحول (تموز) الى (مشيح ـ المسيح) المخلص، الذي سيأتي لكي ينقذ اليهود (الارض ـ عشتار) من الذل والمنفى (الجفاف والقحط)([48]). لكن فيما بعد، وفي ظل حياة المنفى في بابل، تحولت هذه العقيدة على يد النبي (اشعيا الثاني 550 ـ 540 ق.م ) الى عقيدة خلاص قومية ـ عالمية فيها الكثير من العجب والخيال. (نبوءة اشعيا 40 ـ55 ). فأن المسيح المنقذ صار اليهود أنفسهم، الذين يعانون عذابات المنفى، إذ اختارهم الرب قرباناً لخلاص البشرية، وهم (شعب الرب المختار) من أجل إنقاذ العالم: ((إني قد جعلتك نوراً للأمم لتكون خلاصي الى أقاصي الارض)) (نبوءة اشعيا : 49 ـ6 ). وان الرب قد عاقبهم بالمنفى لأنهم ما كانوا أمناء لتلك الرسالة. وان خلاصهم يكمن في العودة الى (الارض الموعودة أورشليم) لكي تعود الحياة من جديد الى العالم أكمله، وينهض النور الازلي وتحج كل الامم الى المدينة المقدسة لعبادة الرب: ((فأنكم بفرح تخرجون وبسلام ترشدون والجبال والتلال تندفع بالترنيم أمامكم وجميع أشجار الصحراء تصفق بالأيدي... ويكون ذلك للرب إسماً وآية أبدية..)) (سفر أشعيا 55 : 12 ـ13 ). علماً بأن هذه النبوءة تتحدث عن (رجل مخلص)، لهذا فقد فسرها المسيحيون فيما بعد بأنها تتحدث عن مجيء (المسيح المخلّص)، بينما أصر اليهود على انها تتحدث عن (اليهود) أنفسهم كمخلّصين للبشرية([49]). وقد عزز التلمود هذه الفكرة، انه في عصر الخلاص (المشيحاني) سيصبح كل الناس عبيداً لجماعة اسرائيل([50]).

لهذا، يحق القول، ان كان جوهر الاسلام والمسيحية، العمل الصالح في الحياة الدنيا من اجل استحقاق ملكوت السماء والجنة الموعودة، فأن جوهر اليهودية هو تقبل العذاب من أجل بلوغ (ملكوت الارض الموعودة ـ أورشليم) !!

إن تجربة المنفى البابلي حددت منذ البدأ جوهر التوراة وأخلاقيتها. الكاتب الأسرائيلي المتمرد (اسرائيل شاحاك) لخص تاريخ الاخلاق اليهودية كالتالي : من ناحية كره كل الناس غير اليهود (غيويوم ـ العوام) وخصوصاً الفلاحين لأنهم النقيض التام للمنفيين بسبب ارتباطهم المباشر والدائم بالأرض. كذلك التقرب من الحكام والمتنفذين والأغنياء والتقرب لهم مهما كانوا أجانب وغرباء عن اليهودية ودعم طغيانهم ضد شعوبهم. حسب (شاحاك) هذه خصال تاريخ الجماعات اليهودية في كل مكان وزمان، مع وجود استثناءات كثيرة، لكن تبقى أقلية([51]). ان طبيعة اليهودية الانعزالية والاستعلائية وتقديس المنفى فرضت على اليهود دوراً محدداً في التاريخ، هو دور (وظيفي) أي دور الوسيط والمساعد الذي يقوم بأعمال ضرورية للمجتمع لكنها غير مقبولة اجتماعياً([52]).

اليهودية والصراع المصري ـ العراقي    

بما ان بلاد الشام عموماً وفلسطين خصوصاً كانت ساحة للصراع بين القوتين المتنافستين العراقية والمصرية، فأن التوراة تأثرت كثيراً بهذه المنافسة. يلاحظ أنه في الأجزاء البابلية من العهد القديم تلك الحكايات التي لا تخلوا من (النفاق) للعراقيين ضد خصومهم المصريين: قصة ابراهيم وسارة مع الفرعون، ثم يوسف وزليخة، ثم موسى والفرعون. بل إن قصة نوح مع ولديه سام وحام وخلق الجنسين الابيض والأسود، يمكن وضعها في هذا السياق العنصري ضد المصريين (أبناء حام!). من أكثر الأمثلة طرافة على رغبة هؤلاء المنفيين الفلسطينيين العبرانيين للتقرب من العراقيين، انهم ابتدعوا فكرة جدهم (ابراهيم) الذي نزح من (أور الكلدانيين) وكذلك زوجته سارة من نفس الأصل. ولكي يميزوا أنفسهم عن (القبائل البدوية) رغم انهم هم أنفسهم من أصول بدوية. قالوا بحكاية اسماعيل وأمه هاجر الجارية المصرية!! وللتعويض عن حالة الشعور بالضعف التي ظل يعاني منها هؤلاء المنفيين أمام أهل بابل، فأن التوراة لا تخلو من الحكايات البطولية والمفاخر الاسطورية : بطولات داود وشمشون وامبراطورية سليمان ومغامرته الشهيرة مع بلقيس.

اليهودية والعرفانية التوحيدية السماوية

إن اليهودية لم تبق معزولة عن التيار العرفاني الذي اكتسح منطقة المشرق بعد أن حل محل العقائد الدينية السابقة واستوعب العقائد الآسيوية واليونانية. وقد لعبت الجالية اليهودية في الاسكندرية دوراً مهماً في هذا النشاط العرفاني ـ الفلسفي، منذ القرن الثالث ق.م. فبعد أن اكتملت كتابة التوراة (اسفار موسى) في بابل في مطلع القرن الثاني ق.م، ثم ترجمته عام 150 ق.م الى اللغة اليونانية في الاسكندرية (الترجمة السبعينية)، أغلق ما يسمى بباب الوحي وأتخذت التوراة شكلها النهائي. لكن حركة البحث والاجتهاد استمرت خصوصاً في الاسكندرية بتأثير العرفانية المشرقية والفلسفة اليونانية، فظهرت الاسفار والكتابات الجديدة التي منحت بعداً توحيدياً روحياً لليهودية، مثل (سفر أخنوخ الاول/ القرن ق.م) و(سفر عزرا الرابع/ القرن الاول م). و(كتاب اليوبيليات/ القرن الاول ق.م) و(وصايا الاسباط الاثنى عشر/ القرن الاول الميلادي) وكتب عديدة من أشهرها (نصوص قمران)([53]) وقد جهد هذا التيار الروحاني العرفاني، الى اصلاح النواقص الكبيرة في اليهودية :

  • تخطي محدودية الرب (يهوه) الذي كان خاصاً باليهود، واعتبار الله رباً واحداً للخليقة جمعاء وهو معني بخلاص الانسان من عذابه. وهذا يعني التخفيف من التعصب الديني والعرقي والتقرب من المفهوم الانساني الشمولي.
  • تبني فكرة الشيطان الكوني المسؤول عن إغواء الأنسان ودفعه للخطيئة. واعتبار التاريخ بغاية كبرى هي الخلاص من الشر والصعود الى ملكوت السماء والنور.
  • الايمان بفكرة القيام ويوم الحساب والجنة والنار. وتوضيح فكرة المخَّلص (المسيح المنتظر).
  • إعادة النظر بالموقف الاخلاقي الغامض في اليهودية. حيث احتوت التوراة على أحداث ومواقف لا أخلاقية وغير أنسانية نسبت الى الانبياء والشخصيات المقدسة. مثل أفعال الزنا والزنا بالمحارم وإبادة غير اليهود والخداع والغيرة، وغيرها الكثير الكثير من الامور اللاّ أخلاقية. وقد قام هذا التيار الجديد بالتأكيد على مسؤولية الانسان الاخلاقية وعدالة الاله، وجعل الاخلاق والانسانية ضرورية مثل الطقوس والشريعة([54]).  

وقد بلغ هذا التيار العرفاني الروحاني ذروته في العصر الاسلامي مع تكون (مذهب القبالا) التصوفي، الذي أصبح مصدراً أساسياً معارضاً للتلمود([55]).

لقد تجلى هذان التياران، الدنيوي والروحاني، في ظهور طائفتين في فلسطين :

ـ الفريسون، وهم متشددون ويسمون بالأحبار أو الربانيين، هم زهاد رهبانيون لا يتزوجون، لكنهم يحافظون على مذهبهم عن طريق التبني، يعتقدون بالبعث والملائكة وبالعالم الآخر([56]).

- الصديقون، وهي تسمية تهكمية إذ تعني عكسها فهم ينكرون البعث والحساب والجنة والنار، ولا يعترفون بالتلمود، كما ينكرون الملائكة والمسيح المنتظر. وهم التيار الدنيوي الواقعي وقد شكلوا طبقة الاغنياء([57]).

مذهب القبالا، أو التصوف اليهودي

(القبالا ـ קבלה) ومعناها (القبل والسابق، أي الموروث) وهو الاسم الذي يطلقه اليهود على تيار(العرفانية والتصوف) لديهم. والتصوف اليهودي يرتكز على كتابين مهمين الأول كتاب (نشيد الأنشاد) في العهد القديم والثاني كتاب (زوهار ـ الظهور) (זוהר) (المظهر والمفخرة). وينسب تأليف هذا الكتاب إلى الكاهن العراقي (شمعون بن يوخاي) من القرن الثاني للميلاد، ولكن المؤرخين يعتقدون بأنه من تأليف موسى الغرناطي (1250 ـ1305 )، في الاندلس. ان (القبالا) أكثر روحانية وحرية في تفسير اليهودية وربطها بالعرفانية من تلك التي اتبعها الفلاسفة المتدينين اليهود مثل (ابن ميمون وابن غابيرول وإبراهيم ابن عزرا) وغيرهم. ومن الواضح انها متأثرة كثيراً بتيار الاشراق الاسلامي وفلسفة (ابن عربي). لكن من أهم خصوصيات هذه (القبالا) انها تميل الى السرية والسحر والاعتقاد بما يسمونه بـ (العلم السري)، وأعداد الحروف ورموز الطبيعة وألغاز الرياضيات. ويؤمنون بأن الذات الالهية العليا (אינסוף) تتجلى من خلال (العوالم العشرة) (עשר הספירות)([58]). ويبدو إن هذه (القبالا) وكتابها (زوهار) قد بدأ يحل محل (التلمود) الذي خلق مشاكل كثيرة لليهود في العالم وخصوصاً في المجتمعات المسيحية وبَرَّرَ العنصرية ضدهم([59]).

المسيحية أول ديانة توحيدية ـ سماوية

إن من يطالع كتاب اليهودية (التوراة) وكتاب المسيحية (الانجيل)، سوف يندهش من هذا التناقض العجيب والحاد بين مضموني الكتابين والرسالة الاخلاقية والالهية لكل منهما. فكما بيَّنا في أول دراستنا هذه، إن (التوراة) مليئة بالمضامين اللاّأخلاقية واللاّأنسانية التي تبرر كل الافعال المشينة ضد الانسان. وإن رب اليهود (يهوه) لا أخلاقي ودموي وغيور ومزاجي ومخادع ولا يعرف الرحمة أبداً. وهو رب قومي عنصري خاص باليهود ويبرر لهم كل جرائمهم ضد غير اليهود (الغويوم ـ العوام).

أما كتاب (الانجيل) فهو يعتبر خلاصة الروحانية العرفانية المفعمة بالدعوة الى السلام والتسامح ومحبة الانسانية جمعاء. وإن المسيح نقيض (يهوه) المطلق، إذ أتى من أجل خلاص الأنسانية والتضحية بذاته من أجلها. وإذا كانت التوراة تدعوا إلى تبرير كل السلوكيات أللاّ أخلاقية من أجل الاستفادة من الحياة الدنيا، فأن الأنجيل نقيضها التام إذ يدعوا الى الزهد بالحياة الدنيا من اجل الفوز بالحياة الآخرة ملكوت السماء.

إذن هنا يفرض هذا السؤال المحير والخطير نفسه: ما الذي دعى المسيحية أن تتبنى التوراة (وباقي اسفار العهد القديم) وتعتبرها المصدر المساوي بأهميته للأنجيل؟!

علماً بأن هذا الاستغراب من تبَّني المسيحية لكتاب اليهودية، ليس بدعة حديثة من قبلنا، بل كان أمراً شائعاً لدى المسيحيين خصوصاً في قرون التأسيس الاولى. وجرت محاولات عدة خصوصاً من الجماعات المسيحية الروحانية. فها هو المصلح المسيحي الكبير (مرقيون) من القرن الثاني م، وهو سرياني من آسيا الصغرى (تركيا)، وقد كتب ما سمي بـ (إنجيل مرقيون) أو (إنجيل الرب) وقد نظفه من كل أثر يهودي، وأعتبر (يهوه) أله الشر. لكن الكنيسة الكاثوليكية قد أعتبرته مارقاً وأحرقت كتبه([60]).

ليس لدينا جواب مفصل حول هذا التساؤل المشروع، ونحن غير مؤهلين للدخول بمثل هذا المعترك البحثي التاريخي والعقائدي من أجل بلوغ الجواب الشافي. لكننا نطرح الجواب الأولي التالي :

ـ ان تبني المسيحية للتوراة، يعود الى سبب سياسي فرضه الواقع التاريخي الذي ولدت فيه المسيحية. فهي ولدت في فلسطين حيث كان اليهود هم الحكام المخولين من قبل الامبراطورية الرومانية المهيمنة على فلسطين وعموم البحر المتوسط. لهذا فأن المسيحية من أجل أن تمنح نفسها بعض المقبولية بين الحكام والنخب الفاعلة في فلسطين اضطرت أن تدَّعي بأنها لم تأت كنقيض لشريعة موسى، بل مكملة لها. يقول السيد المسيح : ((لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الانبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل.. الى أن تزول السماء والارض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل)) (انجيل متي 5 : 17و18 ) وقد فسر ورثة المسيحية على أن المقصود بالناموس (شريعة موسى)، ولكن بعض المذاهب المسيحية العرفانية، أمثال (مارقيون) قد عارضت هذا التفسير، وان المقصود شريعة الله.

لقد أصبح هذا الارتباط باليهودية ضرورة عندما انتشرت المسيحية في نواحي البحر المتوسط، لأن الرومان كانوا يرفضون الاديان الجديدة، لكنهم يتسامحون مع الطوائف التي تدَّعي بأنها فروع مجددة داخل أحد الاديان المعترف بها في داخل الامبراطورية، وهذا ما دعى المسيحية الى الأبقاء على المصدر اليهودي لتبرير إدعائها بأنها طائفة يهودية مجددة.

ثم بعد أن تحولت المسيحية الى (دين دولة) بعد القرن الرابع م، كان من الضروري الابقاء على الكتاب اليهودي، لأن الانجيل بروحانيته وزهده ودعوته الى المحبة، لايصلح أن يكون كتاب أمبراطورية تمارس التوسع والهيمنة والقمع الديني والسياسي([61]).

عظمة اليهودية

إن سر اليهودية وقدرتها على التأثير في الأديان التي أعقبتها واستمرارها كمصدر ميراثي ديني أساسي في العالم، وتأثيرها الكبير في المسيحية والاسلام، إنها جمعت في اسفارها خلاصة ثلاث عقائد أنسانية كبرى:

1-الميراث العقائدي الشفاهي البدائي المعبر بصورة صادقة وساذجة عن أولى معالم الايمان الديني لدى البشر. وقد عبَّرَت الاسفار الخمسة (التوراة) بصورة صادقة وأدبية ناجحة عن هذا الأيمان البدائي.

2-الديانة العراقية القديمة المسجلة بكل أساطيرها الكبرى مثل الخليقة والطوفان والجنة المفقودة والمهدي المخلص وغيرها الكثير، بالاضافة الى ثقافتها ورموزها وشرائعها.

3-الديانة العرفانية بكل تنوعاتها الروحانية والفلسفية والتي بلغت ذروتها في التصوف اليهودي (مذهب القبالا).

لقد نجحت اسفار (اليهود) بصورة أدبية فائقة بالتعبير عن نهاية المرحلتين العقائدية البدائية والحضارية العراقية والمشرقية، وميلاد مرحلة دينية جديدة: (الديانة السماوية التوحيدية).

هنا يكمن سر عظمة اليهودية وسر هذا التأثير السحري الذي مارسته على شعوب المنطقة بحيث تم إعتبارها (خطأ) أساس الأديان التوحيدية. إن الصدفة التاريخية مكَّنَت اليهودية من معايشة آخر زفرات العقيدة البدائية البدوية الموروثة منذ حقبة عميقة بقدمها، ثم آخر زفرات الحضارة العراقية وعموم الحضارة المشرقية التي دامت أكثر من ثلاثة آلاف عام شبه مستمرة. تمكنت التوراة بكل براعة ومأساوية أن تسرد خلاصة هذه العقائد والحضارات ألتاريخية التأسيسية الكبرى، بكل آلام احتضارها وخيباتها ولعناتها ونكساتها وخياناتها. إن الصور المأساوية الفنية العميقة والصادقة السائدة في نصوص التوراة، لم تعَّبر عن معاناة اليهود قدر ماعبَّرَت عن معاناة جميع شعوب المشرق وشعورهم بالأثم لأنهم خانوا ذواتهم ولم يتمكنوا من الحفاظ على سلطانهم وانحدروا الى أسفل مراتب الانحطاط .

وكان ذكاء النخب اليهودية، إنهم سرعان ما أدركوا قصور يهودية التوراة عن مجارات التطورات العقائدية الكبرى الجارية في المنطقة في القرنين الأخيرين السابقين للميلاد، لهذا سارعوا الى تبني (العرفانية) التي بلغت ذروتها بمذهب (القبالا) معتبريها جزءاً حيوياً وأساسياً من الديانة، بحيث ان الكثيرين ينسبون خطأ الى التوراة، الكثير من التصورات الروحانية السماوية الموجودة في العرفانية. في هذا الجمع الثنائي الخلاّق يكمن سلطان اليهودية.

سر تاريخ اليهود يكمن في جوهر ديانتهم

لو تمعّنا جيداً في تاريخ اليهود منذ ألفي عام وحتى الآن، للاحظنا الاستمرار العجيب لخاصيتين متناقضتين تماماً، نابعتين أساساً من طبيعة إيمانهم اليهودي نفسه :

1-خاصية التفوق: إنهم دائماً متميزين ونشيطين ويلعبون أدواراً أساسية ومعروفة في تاريخ الشعوب التي يعيشون بينها، سواء في الشرق أم في الغرب، وفي كل العصور. رغم إنهم أقلية، فإنهم في العصر الحديث يلعبون دوراً متميزاً في العالم، وخصوصاً في الغرب، على كل الأصعدة الحضارية والسياسية. لننظر الى اسرائيل التي تعامل وكأنها قوة عظمى، رغم حجمها الصغير جداً. وهذه الخاصية التفوقية نابعة من إحساسهم بالتفوق على باقي البشر لأن الله ميزهم واعتبرهم أسياداً على البشرية جمعاء، فهم (شعب الله المختار).

2-خاصية جذب العداء: رغم هذا التفوق فأن اليهود في كل المجتمعات التي عاشوا فيها، عانوا من الذم والعزلة والعنصرية التي تبلغ أحياناً حد القتل والتصفية الجماعية، كما حدث لهم مرات عدة في اوربا، آخرها مجازر (هتلر) في الحرب العالمية الثانية. حتى الآن ورغم كل التأثير السياسي والاعلامي الذي يمارسون على الانسان الغربي، الذي بلغ حد فرض القوانين الجزائية المرعبة على كل من يمس بكلمة واحدة سمعة اليهود (معادات السامية)، إلاّ أنه مع ذلك لا زال كره اليهود مخبئاً في أعماق غالبية الغربيين، ويعبّرون عنه همساً. إن خاصية جذب العداء، أيضاً نابعة من إيمانهم الديني. فأن الله الذي جعلهم (شعب الله المختار) أيضاً جعلهم (شعب الله المحتار) الذي عانى مشاعر ثقيلة من الأثم لأنهم إرتكبوا الخطايا وخانوا الانبياء ولم يتقيدوا بوصايا الرب. وان الرب جعلهم يتحمَّلون العذابات نيابة عن باقي البشرية، حتى بلوغ (الارض الموعودة)، وعندها يتحقق الخلاص لليهود وللبشرية جمعاء. إن إحساسهم بالخطيئة وتأثيم الذات والضياع يجعلهم يفتشون بصورة لا واعية عمن يعاقبهم ويمارس القسوة والاضطهاد ضدهم.

إذن هذا هو جوهر اليهود واليهودية: الثنائية التناقضية، بين الاحساس بالعظمة والتفوق، والاحساس بالاثم والضعة!

 

* * *

 

اليهودية العراقية في العصر العباسي

إستمر اليهود مقيمون في العراق ويشاركون في صنع تاريخه وحضارته طيلة أكثر من 2500عام، وقد اعتبروا أنفسهم مثل باقي العراقيين. كذلك استمر أيضاً دورهم الريادي الاول في الديانة اليهودية في أنحاء العالم وتطويرها من كل النواحي.

حال اليهود في العصر ـ الآرامي ـ المسيحي

بعد سقوط بابل، آخر دولة عراقية في العصر القديم، على يد الفرس، بدأت الحضارة العراقية بالخفوت. ومع بروز الرومان، بدأت تتكون مراكز حضارية مهمة جديدة في البحر المتوسط، وخصوصاً في الاسكندرية، التي أصبحت مركزاً للثقافة الهيلينية التي كانت تجمع بين عرفانية الشرق الروحانية وفلسفة الاغريق. وأصبحت الاسكندرية أيضاً مركزاً لنشاط اليهود وتطوير اليهودية، وخصوصاً بعد أن تمت فيها الترجمة السبعينية للتوراة الى اللغة اليونانية في القرن الثاني ق.م.

أما في العراق فقد شارك اليهود باقي الطوائف العراقية معاناتهم ومباهجهم. فخلال الدولة الفارسية الساسانية (226 ـ 651 ميلادية). فقد تعرضت الطوائف العراقية (غالبية مسيحية نسطورية مع أقليات من الصابئة والمانوية واليهود) الى حملة قمع وإعدامات من قبل ملوك فارس، بسبب رفض العراقيين اعتناق المجوسية. وتعتبر الفترة الواقعة بين عام 339 ـ 379 ميلادي من أكثر عهود الاضطهاد المسيحي حيث سميت بفترة الاضطهاد الأربعيني، حيث دامت أربعين عام، إبان فترة الملك سابور الثاني. فقد حدثت ما تعرف بمذبحة الاضطهاد الأربعيني سنة 341 م واستمرت عشرة أيام وراح ضحيتها 130 رجل دين مسيحي، وفي سنة 345 م حدثت مذبحة أخرى راح ضحيتها 120 قساً وكاهناً. إلاّ أن وضع المسيحيين في العراق تحسن في عهد الملك الساساني يزدجر الاول (399 ـ 420) بعد أن تحقق الصلح مع الرومان. إلاّ أن الملك بهرام الخامس (421 ـ 438) عاد الى ممارسة اضطهاد المسيحيين في العراق موغلاً في قتل القساوسة والرهبان موجهاً حملةً دموية على منطقة (كرخ سلوخ) أي كركوك كانت نتيجتها مقتل 446 من القساوسة هناك. وشملت إعدامات الكهنة من جميع الاديان وخصوصاً المسيحيين. كذلك في زمن الملك (فيروز 459 ـ 486م) بلغ الاضطهاد ذروته، فأغلقت المدارس الدينية ومنها أكاديمية صور اليهودية. وفي أول القرن السادس 501 م طغى مذهب مزدك الذي جعل الممتلكات والنساء حظاً مشاعاً بين الناس، ولحق بغير المجوس اضطهاد عنيف، ولكن مدة مزدك لم تطل، فقد مات سنة 528 م، فتنفس العراقيون الصعداء من جديد. لقد ظهر بين اليهود معلمون جدد كانوا يسمون ساباريم (السابرون أي المفكرون).

دور اليهود في العصر العباسي العراق

وبعد سقوط الدولة الفارسية بعد الفتح الاسلامي سنة 636 م قابل العراقيون (مسيحيون ويهود ومانوية وصابئيون) وصول العرب المسلمون الفاتحون بارتياح وترحيب كبيرين لأنهم سأموا ما تعرضوا له من ظلم إبان العهد الفارسي. عاش اليهود بنوع من السلام والازدهار، لأن الاسلام اعترف بهم كدين كتابي مثل باقي الطوائف. ولقد ازداد عدد اليهود في العراق بعد إجلاء يهود نجران (اليمن) إلى الكوفة حوالي سنة 20 هجرية. وبحكم وجودهم العريق في العراق ودورهم الثقافي والمالي المتميز فأنهم تمكنوا من العمل تحت إمرة الولاة العرب في مجالات إدارية عديدة، بل ومنهم من عمل في مجال علوم اللغة العربية كالأدب والنحو. وتحسن أوضاعهم أكثر مع الخلافة العباسية والحصول على رعاية الخليفة. كما كانت ليهود العراق لهجة عربية خاصة بهم، وكتبوا كذلك بعض مؤلفاتهم بلغة عربية وبحروف عبرية وخاصة في مجال العلوم الدينية، كما برز منهم أدباء وشعراء كتبوا بلغة عربية فصحى، وترجموا إليها من لغات كانوا يعرفونها كالآرامية واليونانية. وقد أصبح لهم رئيس يتولى شؤونهم كان يسمى (رأس الجالوت ـ رئيس الجالية)، الذي اعتبر رئيس الطائفة اليهودية في العالم أجمع. لقد استفاد اليهود من جو التسامح والرعاية، فلمع منهم العديد من العلماء والأطباء والحرفيين والخازنين، ورجال المال، وكان منهم الطبيب (فرات بن شحناتا) و(حسداي بن أسحق). وقد ازدهرت معابدهم في عهد الخليفة المعتضد خصوصاً (أكاديمية سورا التلمودية)، ولمع من الأحبار والعلماء (سعديا بن يوسف الفيومي) و(هارون بن يوسف) وغيرهم.

لكنهم أيضاً مثل باقي الطوائف العراقية كانوا يتعرضون لفترات اضطهاد، لكونهم من (أبناء الذمة)، كما حصل في عهود بعض الخلفاء المتعصبين، مثل عهد المتوكل (القرن التاسع) وكذلك القادر بالله (القرن11 ) حيث فرضت عليهم التمايز ببعض المظاهر. ولقد تحدث (الرابي بنيامين القطيلي) الذي زار العراق في عهد خلافة المستنجد بالله (القرن12 ) عن حالة اليهود المزدهرة في هذا العهد، حيث يقول:

((ويقيم ببغداد نحو أربعين ألف يهودي، وهم يعيشون بأمان وعز ورفاهية في ظل أمير المؤمنين الخليفة، وبين يهود بغداد عدد كبير من العلماء وذوي اليسار، ولهم فيها ثمانية وعشرون كنيساً، قسم منها في جانب الرصافة، ومنها في جانب الكرخ على الشاطئ الغربي من نهر حدقل (دجلة) الذي يمر في المدينة فيشطرها شطرين. وكنيس رأس الجالوت بناء جسيم، فيه الأساطين الرخام المنقوشة بالأصباغ الزاهية المزوقة بالفضة والذهب، وتزدان رؤوس الأساطين بكتابات من المزامير بحروف من ذهب، وفي صدر الكنيس مصطبة يصعد إليها بعشر درجات من رخام، وفوقها الأريكة المخصصة لرأس الجالوت))([62]). وتذكر المصادر أنه كان لليهود في العراق كله خلال القرن الثاني عشر الميلادي 10 مدارس دينية و238 كنيساً.

مترجموا التوراة الى العربية في القرن العاشر

برز العديد من المترجمين للكتب اليهودية (الآرامية والعبرية) الى العربية أو العكس منهم: (يهوذا ابن يوسف) المعروف بـ (ابن أبي الثناء) تلميذ (ثابت بن قرة الصابئ) في الفلسفة والطب وفي الرقة // (سعيد بن علي المعروف بابن أشلميا بالرقة أيضاً // يعقوب بن مردويه ويوسف بن قيوما // إبراهيم اليهودي التستري // العلامة سعيد بن يعقوب الفيومي (عاش ومات في بغداد)([63]).

تأسيس فرقة القرائين في بغداد

في القرن الثامن تكونت طائفة القرائين (קָרָאִים: قَرائِيم) اليهودية في بغداد على يد الكاهن اليهودي العراقي (عنان بن داود). وتعتبر إمتداد للتيارات اليهودية التي رفضت الاعتراف بالتلمود، بأعتباره كتاباً غير مقدس موضوع من قبل الكهنة. وقد تأسست أيام الخليفة (أبي جعفر المنصور) (القرن الثامن).

إن إيمان القرَّائين يقتصر على التوراة وسفر يوشع بأعتبارهما المصدرين الوحيدين للفكر الديني اليهودي ولتشريع الفرائض. انتشرت الفرقة القرائية إنتشاراً واسعاً بين جمهور اليهود وكادت أن تطغى على التلموديين حتى قام الحبر المتكلم سعاديا بن يوسف الفيومي وبدأ بمجادلة القرائين معتمداً في ذلك على مناهجهم العقلية التي أخذوها عن متكلمي المسلمين وخصوصاً المعتزلة.

كذلك تاثر الدين اليهودي بالتطور الحاصل في الاسلام والتيارات المختلفة التي ظهرت فيه. فظهر مجددون من أمثال الفيلسوف (بنيامين النهاوندي) الذي جدد التعاليم التوراتية، ومنحها بعداً روحياً فلسفياً. وعاصر النهاوندي متفلسف آخر هو (دانيال الخوميسي)، وكان صاحب نزعة مخالفة لصاحبيه معاً، سواء في العقيدة أو الشريعة، فقد أنكر النـزعة التأملية التي دعا (عنان) إليها، وكذلك أنكر النزعة الرمزية التي نادى بها (النهاوندي).

تطوير اللغة العبرية وإبداع نحوها في بغداد

كان للثقافة العربية الاسلامية في العراق خصوصاً، وكذلك في الاندلس ومصر، أثر فعّال في العصور الوسطى في تطوير اللغة العبرية والمحافظة عليها من الانقراض، وقد دأب علماء اليهود على تأليف الكتب اللغوية على غرار المؤلفات العربية في قواعد اللغة من صرف وبلاغة وعروض، حتى إن الشعراء اليهود لا سيما الأندلسيون منهم قرضوا الشعر العبري وفقاً للأبحر الشعرية المألوفة في اللغة العربية. وتناولت فنون الشعر العبري جميع الأغراض المعروفة في الشعر العربي من مدح وهجاء وفخر ورثاء وحكمة ووصف وغزل. لقد حاكى الشعراء اليهود الشعراء العرب في النظم العلمي التعليمي، وفي نظم الأحاجي والألغاز، وانفرد الشعراء العبريون في فن واحد هو الحنين إلى أرض الميعاد.

ويعتبر (سعديا بن يوسف الفيومي) من القرن العاشر م. من مؤسسي النحو العبري بالاعتماد على النحو العربي. وهو علامة يهودي مصري انتقل الى بغداد وأبدع في علوم الدين واللغة العبرية. وترجم اسفار العهد القديم من الآرامية الى العبرية. ثم وضع كتابي اللغة العبرية والفصاحة. كذلك تأثر سعديا بالعلوم الدينية الاسلامية وخصوصاً بمذهب المعتزلة، ويظهر هذا التأثير جلياً في معالجته الديانة اليهودية، ويعتبره النحاة اليهود (أبا النحو العبري)، وجاء من بعده من النحاة (مناحيم بن سروق) الذي ألف كراسة في قواعد العبرية، و(دوناش بن لبراط) و(يهودا بن داود حيوج) المشهور عند العرب بـ (أبي زكريا يحيى)، وغيرهم، وقد ألفوا كتبهم من لغوية وغيرها باللغة العربية، وسلك جميعهم في كتبهم النحوية مسلك النحاة العرب. وقد نقل اليهود إلى لغتهم العلوم الإسلامية كاللاهوت والطب والفلسفة وغيرها ككتب ابن سيناء وككتابَيْ : (تهافت الفلاسفة للغزالي وتهافت التهافت لابن رشد)، وقد أدى هذا الاحتكاك إلى تهذيب العقيدة اليهودية فيما يتعلق بالذات الإلهية وصفاتها، ويسمي مؤرخوا الأدب العبري العصر الأندلسي بالعصر الذهبي للغة العبرية.

 

* * *

ملاحق معلوماتية عن أوضاع اليهود

في العصرين العثماني والحديث

 مرقد النبي حزقيل (ذو الكفل) في الحلة

 

هكذا إذن، ظلت اليهودية في العراق تزدهر مع ازدهار الوطن، وتتراجع بتراجعه. فبعد سقوط بغداد على يد المغول عام 1258 م، عانى اليهود مثل باقي العراقيين، من الاضطهاد والانحطاط الحضاري. وفقدوا دورهم الريادي في قيادة يهود العالم. ولم تبدأ أوضاعهم بالتحسن إلاّ بعد استقرار الاوضاع في الدولة العثمانية. نسجل هنا هذه المقاطع المختلفة التي تكشف عن أحوال اليهود الانسانية والثقافية حتى هجرتهم الى إسرائيل في خمسينات القرن العشرين :

أحوال اليهود في العصر العثماني

في ظل العهد العثماني تمتعت الأقليات الدينية بأستقلالها الذاتي في الإشراف على أمورها الدينية وإدارة مؤسساتها الخيرية والتعليمية مع أتصال هذه الأقليات في النهاية بجهاز الدولة العام. وقد كان على رأس الطائفة اليهودية جهاز ديني مدني، وكانت الأمور الدينية بيد رئيس الحاخامية (حاخام باشا) الذي يعين من قبل الباب العالي. أما الإدارات الطائفية فكانت بيد إحدى الشخصيات التي تنتمي إلى عائلات يهودية رفيعة المقام ويسمى (ناسي) أي الرئيس. ويأتي بعد هاتين الشخصيتين مجلس مكَّون من عشرة أشخاص ومحكمة حاخامية برئاسة الحاخام باشا، كما كانت للطائفة اليهودية في بغداد مؤسساتها التي تتلقى الدعم المادي من صندوق الطائفة.

النشاط الاقتصادي

برزت مكانة اليهود (خلال الفترة الأخيرة من الحكم العثماني) في مجال التجارة والأعمال، وكان رئيس صيارفة الوالي المعروف باسم (صراف باشا) يهودياً، وأشتهر من بين هؤلاء الصيارفة ساسون بن صالح بن داود الذي تقلد هذه الوظيفة أعواماً طويلة. وقد انتشر يهود العراق في المدن والقرى العراقية ولا سيما بغداد والموصل والبصرة وكركوك، وكانوا يقومون بالأعمال الاقتصادية المختلفة، وكانت لهم علاقات تجارية وثيقة بالهند وإيران. وازدهر هذا الدور إثر افتتاح قناة السويس في مصر عام 1868، وتعاظم دورهم في أعقاب الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الأولى عام1919 . وتولى العديد من يهود العراق رئاسة المصالح الاقتصادية والمكاتب الحكومية، وكان لهم بنوك عديدة منها بنك زلخة وبنك كريديه وبنك إدوارد عبودي وغيرها، كما احتكروا عدة صناعات كالأبسطة والأثاث والأحذية والأخشاب والأدوية والأقمشة والتبغ والجلود وغيرها، واحتكروا استيراد بعض السلع مثل منتجات شركة (موبيل أويل) الأميركية، كما عملوا في معظم المهن الحرة كالطب والصيدلة والصحافة والطباعة. وبلغت مساهمة يهود العراق في الحركة الاقتصادية أوجها قبيل الحرب العالمية الثانية، إذ كان أكثر من نصف الأعضاء الثمانية عشر بغرفة تجارة بغداد من اليهود وكان من بينهم الرئيس والسكرتير.

النشاط الاجتماعي والسياسي

كان للطائفة اليهودية في العراق مؤسساتها الخيرية الخاصة التي تقدم لأفرادها الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية، مما جعل المستوى الاجتماعي العام للطائفة فوق المعدل العام للسكان. وبرزت في ذلك المجال جمعية شومري متسفا (المحافظون على الشريعة) حيث كان لها دورها في مجال النشاط الاجتماعي. كما تعددت الجمعيات الخيرية اليهودية في بغداد، وكانت لها نشاطاتها المتعددة وخدماتها المتميزة لأبناء الطائفة. ولم يكن مصرحاً لليهود بالخدمة العسكرية، وكانت الحكومة التركية تقدر مبلغاً سنوياً تدفعه الطائفة ويعرف بـ (بدل العسكرية) مع إعفاء لرجال الدين وأولادهم من دفع هذا المبلغ. وظل هذا الوضع قائماً حتى بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث أصدرت الحكومة بياناً تضمنت الفقرة الأولى منه ضمان حقوق الأقليات ومنحها المساواة في الحقوق المدنية والسياسية وغيرها.

ويمكن القول إن الطائفة شهدت تغيراً كبيراً في جوانب حياتها الاجتماعية المختلفة في أعقاب الاحتلال البريطاني للعراق، حيث ظهرت علامات الانفتاح على الغرب وتناقص التمسك بالشرائع اليهودية. وكان للطائفة بالعراق مجلس ينتخب أعضاؤه من بين أفراد الطائفة كل أربع سنوات، ثم أصبح كل سنتين فيما بعد.

أما فيما يتعلق بمشاركة الطائفة في الحياة السياسية العامة، فقد كان لليهود مندوب تنتخبه الطائفة ليمثلها في مجلس (المبعوثين) الذي أفتتحه الأتراك عام1876 . ولما أعلن الدستور العثماني عام 1908 قابله اليهود بالترحاب، كما رحبوا بالحكومة العراقية الجديدة تحت الانتداب البريطاني، وتم تعيين اليهودي ساسون حزقيال أول وزير للمالية العراقية عام 1921 بالإضافة إلى يهود آخرين تولوا مناصب حكومية مهمة في العراق.

وكشأن سائر الأقليات كان لليهود ممثلون في مجلس النواب والأعيان بالعراق. وقد نصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون المجلس التأسيسي عام 1922 على أن يكون من بين الأعضاء يهوديان من بغداد وواحد من كل من البصرة والموصل وكركوك، كما نصت المادة التاسعة من قانون انتخاب النواب (رقم 11 لعام1946 ) على أن يمثل اليهود العراقيين ثلاثة نواب من بغداد، ونائب عن الموصل، إلى جانب من يمثلهم في مجلس الأعيان.

وباستثناء بعض الحوادث التي وقعت نتيجة عوامل خارجية، لم يواجه يهود العراق أي مصاعب من قبل المسلمين وبخاصة في الفترة الواقعة من منتصف الستينيات من القرن التاسع عشر وحتى الهجرة الجماعية من العراق في منتصف القرن العشرين. وقد كان للقوانين التركية التي صدرت منذ عام 1839 وحتى عام 1914 الفضل في تحسين أوضاع يهود العراق أسوة بغيرهم من يهود البلاد الإسلامية الأخرى الخاضعة للدولة العثمانية، حتى أنهم توقفوا عن دفع الجزية التي كانت مقررة عليهم.

التعليم والثقافة

بالاضافة الى المدارس اليهودية الخاصة، مثل الاليانس، كان أيضاً من المسموح به ليهود العراق الالتحاق بالمدارس الحكومية، ودأبت الحكومة على إرسال مدرس للدين اليهودي في كل مدرسة بها تلاميذ يهود، كما أقامت الحكومة عام 1933 مدرسة حكومية للبنات خاصة باليهود أسوة بالمسيحيين وأسمها (مدرسة منشى صالح) ثم أنشئت أخرى للبنين عرفت بأسم (رأس القرية). ويمكن ملاحظة الاهتمام الخاص بتدريس اللغة العبرية وبخاصة في أعقاب الاحتلال البريطاني للعراق، كما كانت الدعوة توجه إلى مدرس العبرية من فلسطين إلى العراق. وقد ظهرت آثار كبيرة لتغيير مناهج التعليم في المدارس اليهودية وتدريس اللغات الأجنبية والحية ودروس المحاسبة ومسك الدفاتر وتعليم المهن والحرف والمساعدات المالية التي تتلقاها هذه المدارس اليهودية من الأثرياء والأوقاف ووزارة المعارف.. وهو ما أسهم في خلق وضع متميز للمدارس اليهودية في العراق عامة وفي بغداد خاصة، وانعكس ذلك كله على المجال الأدبي، فظهر من بين أبناء الطائفة شعراء وأدباء كتبوا بالعربية، كما أعطت الصهيونية (التي بدأت تمارس نشاطها بالعراق) دفعة قوية للَّغة العبرية، وإن كان ذلك في معظم الأحيان قد أتخذ صورة غير رسمية.

ولعل أول مطبعة عبرية تأسست في العراق كانت عام 1863 على يدي موسى باروخ مزراحي حيث قامت بطباعة أول جريدة عبرية وسميت (هادوفير) أي المتحدث، كما نشرت بعض الكتب. ومع أوائل القرن العشرين أنشئت مطابع أخرى قامت بطباعة العديد من الكتب العبرية، وكانت أشهر دور النشر اليهودية دار (رحمايم) في بغداد، وكان إنتاج هذه الدور يلقى رواجاً بين الطوائف اليهودية في الهند والصين.

وشهد القرن العشرين نهضة يهودية فيما يتعلق بأستخدام اللغة العربية، إذ اتجه الشباب اليهودي في العراق إلى البحث العلمي والتأليف الأدبي بالعربية ممثلين بذلك انتصاراً للتيارات العلمانية التي سادت الطائفة في ذلك الوقت. وكان أول كتاب صدر بالعربية الفصحى في هذا القرن عام 1909 وعنوانه (الثورة العثمانية) لليهودي العراقي سليم إسحاق، كما صدرت صحيفة عربية تركية هي صحيفة (الزهور) التي حررها اليهودي نسيم يوسف سوميخ وغيره.

العلاقات الإسلامية اليهودية

من خلال عرض أحوال الطائفة اليهودية بالعراق يمكن القول إن العلاقة بين مسلمي العراق ويهودها على المستوى الرسمي والشعبي كانت جيدة للغاية، إذ لم يكن هناك ما يعكر صفوها، حيث كانت الطائفة تنعم بالحياة الآمنة المستقرة مع سائر سكان البلاد. ولم تكن الشدائد والصعاب التي مرت بالعراق في بعض فترات تاريخه لتميز بين مسلم ويهودي ومسيحي. وقد انعكست هذه العلاقات الطيبة في أدبيات يهود العراق على نحو ما نجد عند القصاص أنور شاؤول وسمير نقاش وإسحاق بار موشيه وغيرهم. ولم يفكر يهود العراق في ترك البلاد خلال العصور المختلفة، وجميع من هاجر خلال القرنين الماضيين (مثلاً) كانت دوافعهم إما تجارية حيث اتجهت بعض العائلات نحو الهند والشرق الأقصى، أو دينية إذ هاجرت بعض العائلات أيضاً إلى فلسطين منذ منتصف القرن19 . وبسبب تسرب الفكرة الصهيونية القومية إلى يهود العراق وإقامة إسرائيل شهد العراق في أعوام الخمسينات هجرة جماعية لمواطنيه اليهود، ولم يبق منهم إلاّ القليل لا تتوفر أي معلومات موثقة عنهم خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي ألَّمت بالعراق.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

((مقطع من دراسة: الأقلية اليهودية في العراق / محمد جلاء إدريس (باحث مصري) / المعرفة))

* * *

من أدباء اليهود في العصر الحديث

لقد شارك اليهود في الحياة الثقافية وأصدروا الصحف والمجلات (مجلة المصباح والحاصد) وكتبوا نتاجهم باللغة العربية ومن أبرزهم الأديب مير بصري والشاعر أنور شاؤول ومراد ميخائيل ويعقوب بلبول وسالم درويش وأخوه سلمان وإبراهيم يعقوب وعبيده وسالم الكاتب وسالم قطان.

  • أنور شاؤول : شاعر وقاص ومحام ولد في الحلة عام 1904 واستقر في بغداد، زاول المحاماة وأصدر مجلة الحاصد الأسبوعية، غادر العراق في عام 1971 وتوفي عام1984 ، له مؤلفات كثيرة كان من أبرزها قصة الفلم السينمائي (عليَّة وعصام)، كما قام بنظم قسم من ملحمة کلکامش شعراً، وترجم بعض الأعمال الأدبية، حتى عَدَّه المهتمون بالقصة من رواد القصة الحديثة.
  • الدكتور مراد ميخائيل : ولد في بغداد 1906 واشتغل في سلك التعليم حتى أصبح مديراً لعدة مدارس ثم درس الحقوق ورحل إلى طهران لإدارة المدرسة العراقية هناك ثم إلى باريس وفلسطين مشتغلاً بالصحافة ونال شهادة الماجستير في العربية والحضارة الإسلامية ثم الدكتوراه في عام1965  واشتغل بتدريس العربية في يافا ومحاضراً في الجامعة. كان ميالاً للأدب منذ الصغر وقد أخذ ينشر مقالاته وشعره تحت أسم (نزيل الشرقاط) وقد غلب على شعره طابع الحزن والأسى وبعده عن الجمل المعقدة متأثراً بأدباء المهجر.

نشر مجموعتين شعريتين وألف تاريخ الأدب العربي في ثلاثة أجزاء. توفي في عام1986 .

  • شالوم درويش : ولد في ميسان وأنتقل إلى بغداد ونال شهادة الحقوق عام 1938 وشارك في الحياة السياسية والأدبية حتى أصبح عضواً في مجلس النواب، وبعد حرب 1948 نزح إلى فلسطين متسللاً عبر إيران ليعمل في الصحافة ويواصل عمله الأدبي بعد الانقطاع. تميزت قصصه بالمبالغة في الوصف وأعتنائه بأختيار شخصيات من الحياة وتصوير عالمها الداخلي، وهي غالباً ما تكون محبطة وهامشية، ومن أبرز مجاميعه القصصية (أحرار وعبيد) ومجموعة (بعض الناس).
  • مير بصري : ولد في بغداد 1911 ودرس اللغة العبرية والاقتصاد والأدب العالمي وتاريخ العراق والعروض، وبدأ بنظم الشعر باللغتين (العبرية والفرنسية) ما لبث أن تحول إلى العربية، ويعتبر مؤلفه (أعلام اليهود في العراق الحديث) الأول من نوعه في اللغة العربية كونه كتبه عن شخصيات عاشرها وعرفها عن كثب وترجم لها بصدق وموضوعية. بدأ (مير بصري) بنشر نتاجه الأدبي في الصحف والمجلات ثم قام بنظم العديد من الملاحم الشعرية، وقد نظم شعراً بأغراض متعددة، ومن أبرز شعره قصيدته (يهودي في ظل الإسلام) التي يقول فيها (إن كنت من موسى قبست عقيدتي/ فأنا المقيم بظل دين محمد، وسماحة الإسلام كانت موئلي/ وبلاغة القرآن كانت موردي، ما نال من حبي لأمة أحمد / كوني على دين الكليم تعبّدي).

هذا وله مؤلفات عديدة في مختلف الاختصاصات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقطع من محاضرة في دار المرتضى عن كتاب الدكتور ( طالب مهدي الخفاجي)

أستاذ الأدب العبري القديم في كلية اللغات / جامعة بغداد

الموسوم بـ (أدب اليهود العراقيين وثقافتهم في العصر الحديث)

* * *

مدارس الاليانس اليهودية العالمية

الملك فيصل الاول في أعوام العشرينات يزور مدرسه الاليانس

وبجانبه الحاخام عزرا دنكور والحاخام ساسون مع شخصيات يهودية

يرجع تاريخ هذه المدارس إلى عام 1860 م عندما قامت جمعية (التحالف الإسرائيلي العالمي) إسرائيل يونيفرسل Alliance Israelite Universelle التي عرفت إختصاراً بأسم (الأليانس) وتعني بالفرنسية (التحالف)، وهي منظمة يهودية فرنسية تأسَّست في باريس بهدف الدفاع عن الحريات المدنية والدينية للجماعات اليهودية وسعت لتنمية مجتمعاتها المختلفة عن طريق التعليم والتدريب المهني وإغاثتهم في الأزمات، وهي مدعومة من قبل المليونير اليهودي الماسوني الشهير (آدمن دي روچيلد) وقد أسست لها هذه المدرسة مدارس فرعية في جميع أنحاء العالم حيثما وجدت جاليات يهودية. وكانت الغاية طبعاً بث روح الثقافة الغربية والتبعية للمشاريع القومية والانفصالية للزعامات اليهودية الاوربية.

في العراق تأسست أول مدرسة في بغداد عام (1865) ثم توالت المدارس في كل من البصرة والموصل والحلة والعمارة والموصل.

ومع الزمن راحت تتكشف سياسة الأليانس في دعم الصهيونية من خلال حث الطلاب على الهجرة إلى فلسطين وتوجيههم إلى العمل من أجل الوطن الموعود. وأما من حيث المناهج الدراسية فأن المدارس كانت تطبق الخبرة الفرنسية إلى جانب الخبرة اليهودية بما فيها من تطور وتقدم، وقد أتفقت جمعية الأليانس على أن يكون التعليم في المدارس باللغة الفرنسية وأن تكون المناهج علمانية إلاّ أن قوة الأليانس جعلت فرنسا توافق على تدريس المواد الدينية وباللغة العبرية!! وأما اللغة العربية التي يدَّعي اليهود أنهم ينتمون إلى بلدانها وأنها لغتهم الأصلية فلم يكن لها حظ يذكر أو كانت في هامش تفكيرهم، وكان الحرص على تعلّم اللغات الأجنبية والتحدّث بها بطلاقة في المدارس اليهودية، أشد كثيراً من الحرص على تعلم اللغة العربية، كل ذلك، من أجل قطع رابطة الطالب اليهودي والطالبة اليهودية باللغة العربية، أو لتهمل دراستها وإجادة الكتابة بها. فأن مدير مدرسة الأليانس اليهودية في مدينة العمارة على سبيل المثال، كان يُقاصص كل طالب يتكلم اللغة العربية، ويجبرهم على التكلم باللغة الفرنسية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقطع من دراسة : (الأليانس مدارس يهودية في قلب العالم العربي / خليل محمود الصمادي/ الرياض / مجلة المعرفة / العدد155     http://www.almarefh.org/news.php?action=show&id=65

* * *

يبقى أن نشير الى أنه من دلائل الحضور اليهودي الحالي في العراق، وجود هذا العدد الكبير من المراقد اليهودية المقدسة، التي أصبحت مع الزمن مقدسة أيضاً لدى المسيحيين والمسلمين، منها : ((مرقد النبي ناحوم في القوش ـ شمال نينوى // قبر عزرا أو العزير ـ بين القرنة والعمارة // مدفن النبي حزقيال أو ذي الكفل قرب الحلة // مرقد يوشع كوهين بجانب الكرخ ـ بغداد // مرقد الشيخ اسحق الغاووني ـ بجانب الرصافة ـ بغداد)).

بالاضافة الى أن هنالك مقامات مقدسة لدى العراقيين مسلمين ومسيحيين وهي تنسب الى أنبياء يهود، منها (مقام النبي يونس) في الموصل، و(مقام النبي دانيال) في كركوك.

المصادر

1-اللغة والسياسة / شبرمه عبد الكريم اللبدي / دراسة في الانترنت.

2-الموسوعات العربية والعالمية (اللغة العبرية).

3-من سومر الى التوراة. 

4-موسى والتوحيد / سغموند فرويد.

5-تاريخ اللغات السامية / أ. ولفنسون.

6-آرام دمشق واسرائيل / فراس السواح / دار علاء الدين / دمشق 1995

7-تاريخ نقد العهد القديم / زلمان شازار / المجلس الاعلى / القاهرة 2000

8-الرحمن والشيطان / فراس السواح / دار علاء الدين / دمشق 2000

9-جريدة الحياة اللندنية / 24 ـ 12ـ1995  / مقالة أحمد عثمان.

10-تاريخ اسرائيل القديمة / كيث وايتلام / عالم المعرفة / الكويت 1999

11-الكتاب المقدس / المكتبة المشرقية / بيروت 1986

12-اليد الخفية / عبد الوهاب المسيري / دار الشروق / القاهرة 1998

13-الاديان الحية / اديب صعب / دار النهاؤ / بيروت 1993

14-ملامح التاريخ القديم ليهود العراق / أحمد سوسة / المؤسسة العربية / بيروت 2001

15-تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين / فيليب حتي / دار الثقافة / بيروت 1958

16-اليهودية بين النظرية والتطبيق مقتطفات من التلمود والتّوراة / زغلول النجار ، ود. علي حليل / منشورات اتحاد الكتاب العرب1997

17-جورج طرابيشي / مذبحة التراث / دار الساقي / بيروت 1993

18-دراسات في التاريخ / انيس فريحة / جريس بريس / طرابلس 1991

19-أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية / الاب سهيل قاشا / بيسان 1998

20-محمد عابد الجابري / بنية العقل العربي / المركز الثقافي / الدار البيضاء 1986

21-الموسوعة الفلسطينية/  الأطماع الصهيونية في القدس/  تأليف عبد العزيز محمد عوض/  بيروت 1990

22-ماقبل الفلسفة / مجموعة باحثين غربيين / المؤسسة العربية / بيروت 1982

23-الاسطورة والمعنى / فراس السواح / دار علاء الدين / دمشق 1997

24-نائل حنون / عقائد ما بعد الموت في حضارة بلاد الرافدين / المؤسسة العربية / بيروت 2001

25-ملحمة كلكامش / فراس السواح / دار الكلمة / بيروت 1983

26-مغامرة العقل الاولى / السواح / دار الكلمة / بيروت 1982

27-عبد الرحمن السليمان  / القبالا / موقع جمعية الترجمة العربية

28-بنو إسرائيل فى القرآن والسنة / محمد سيد طنطاوى / دار الشروق للنشر والتوزيع  1977 القاهرة

29-بنو اسرائيل في القران الكريم / محمد عبد السلام ابو النيل / دار حنين للنشر والتوزيع  2003

30-هل اليهود حقاً / شعب الله المختار / محمد جمال طحان / دار صفحات / بيروت 2009

31-تيه بنو اسرائيل بين القرآن والتوراة / نضال عباس دويكات / كتاب منشور على الانترنت

32-تاريخ اليهود / أحمد عثمان / مكتبة الشروق / القاهرة 1994                                                                                            

مصادر فرنسية وأنكليزية

- Mireille Hadas-Lebel-  Histoire de la langue hébraïque, Des origines à                l’époque de la Mishna, Collection de la Revue des études juives, Éditions E.         Peeters, 1995

Genesis / - The Septuagint versus the Masoretic

- Jean BOTTERO – Naissance De Dieu- Folio - Paris 2007

- La Bible – Reperes Pratiques – Nathan-Paris1998

- Catholic Encyclopedia > G > Gnosticism

- Michaël Prior - Bible and Colonialism: A Moral Critique-

- L'histoire de la Bible : J. H. Alexander La Maison de la Bible

ـ   Sur les traces de la Bible : Dr W.J. Ouweneel La Maison de la Bible

- I .Shahak-Histoir Juive-Religion juive / Paris1994

- la Mesopotamie / Georges ROUX/P270-271 /             

- Dieu Obscur- Thomas Romer- Labor et Fides- Geneve 1998

- Michaël Prior  Bible and Colonialism : A Moral Critique

- BIBLE ET COLONIALISME- Critique d'une instrumentalisation du texte sacré

 


  1. تاريخ اللغات السامية ـ أ. ولفنسون ـ ص 78

- jewish encyclopedia-HEBREW LANGUAGE

[2] ـ

2) طالع مثلا الموقع الانكليزي الخاص بهذا الكتاب والذي يفصل الفروق بين النسخة العبرية والنسخة السبعينية:

Genesis / The Septuagint versus the Masoretic

3) حول العبرية ولغات اليهود، طالع:

Mireille Hadas-Lebel, Histoire de la langue hébraïque, Des origines à l’époque de la Mishna, Collection de la Revue des études juives, Éditions E. Peeters, 1995

4) حول العربية والعبرية، طالع: اللغة والسياسة / شبرمه عبد الكريم اللبدي / دراسة في الانترنت / كذلك طالع الموسوعات العربية والعالمية (اللغة العبرية).

5) طالع مثلاً: بنو إسرائيل فى القرآن والسنة / محمد سيد طنطاوى / دار الشروق للنشر والتوزيع / 1977 القاهرة

ـ بنو اسرائيل في القران الكريم / محمد عبد السلام ابو النيل / دار حنين للنشر والتوزيع 2003

ـ هل اليهود حقاً شعب الله المختار / محمد جمال طحان /دار صفحات / بيروت 2009

6) تيه بنو اسرائيل بين القرآن والتوراة / نضال عباس دويكات / كتاب منشور على الانترنت

7)  أحمد عثمان : تاريخ اليهود / ج1 / مكتبة الشروق / القاهرة 1994

Jean BOTTERO – Naissance De Dieu- Folio-Paris2007/P9 (8

طالع أيضاً: من سومر الى التوراة / ص192/ كذلك: موسى والتوحيد / فرويد / ص33

9) ان رأينا هذا لا يتعارض مع الطرح المسيحي والاسلامي الذي يقدس النبي موسى وتوراته. فالمسيحية والاسلام يعترفان ان التوراة الحقيقية قد حرفت وان المتداولة ليست هي الاصلية.

10) حول الاصل الشفاهي الشعبي للتوراة، اتفق على هذا كبار الباحثين من أمثال (E.Meyer) و(H.Gunkel). طالع:

     ـ آرام دمشق واسرائيل / السواح / ص10

11) ان تأثير بابل على نصوص الكتاب اليهودي المقدس أمر واضح ومعترف به. وكما يقول الباحث الاسرائيلي (زالمان شازار): لقد انبهر العلماء عندما اكتشفوا التشابه الكبير بين الكتابات المقدسة مع الكتابات البابلية الى حد التطابق الكامل، بحيث فقد الكتاب المقدس قيمته المميزة، طالع: تاريخ نقد العهد القديم / زلمان شازار / ص 165

12) الرحمن والشيطان / فراس السواح / ص155 ـ 156

13) ان مسالة التشكيك بصحة التاريخ الوارد في التوراة أصبح أمراً شائعاً منذ عدة قرون، حتى لدى المؤرخين الاسرائيليين، أو الذين أطلق عليهم (المؤرخون الجدد). وان شعبية هذا التشكيك جعلت حتى (التايم الامريكية) وهي مجلة جادة ومقربة من اليهود، أن تخصص ملفاً عن هذه القضية تحت عنوان (الكتاب المقدس، حقيقة أم خيال) وقد اتفق غالبية المختصين على لا تاريخية الكتاب المقدس / تاريخ 18 ـ 12ـ 1995/ طالع أيضاً مقالة (احمد عثمان) في جريدة الحياة اللندنية / 24 ـ 12ـ1995

14) طالع أيضاً : تاريخ اسرائيل القديمة / كيث وايتلام / عالم المعرفة / الكويت 1999

15) طالع موسوعة ويكيبيديا / نجمة داود

16) لقد أسهب بتفصيل هاتين الصفتين: فراس السواح / الرحمن والشيطان / الفصل الخامس. لقد اعتمدنا نحن عليه في هذا القسم./ طالع كذلك : Dieu Obscur- Thomas Romer- Labor et Fides- Geneve 1998

17) ان لا اخلاقية (العهد القديم) أمر جلب انتباه العديد من المعنيين، قديماً وحديثاً. نشير هنا الى هذا الكتاب الهام الذي صدر بالانكليزية، والذي اعتبر فيه الباحث ان التوراة هي التي منحت التبريرات الدينية للحكومات الغربية للقيام بحروبها الاستعمارية وممارسة العبودية والتصفيات العرقية :

Michaël Prior Bible and Colonialism: A Moral Critique            

وقد ترجم الى العربية بعنوان: الكتاب المقدس والاستعمار/ مكتبة الشروق / وصدر أيضاً بالفرنسية :

BIBLE ET COLONIALISME- Critique d'une instrumentalisation du texte sacré

18) اليد الخفية / عبد الوهاب المسيري / ص 24 ـ 29/ دار الشروق / القاهرة 1998

19) يفترض (فرويد) ان (موسى) هو نفسه (تحوتمس) ضابط مصري من أتباع الفرعون (اخناتون) صانع عقيدة التوحيد المصرية. وبعد موت الفرعون وفشل مشروعه التوحيدي، هرب (تحوتمس) بأنصاره الى سيناء واندمجوا مع قبائل عبرانية بدوية / طالع : موسى والتوحيد / ص84 ـ 87 / يبقى أن نشير الى اختلافنا كثيراً مع العديد من طروحات (فرويد)، وبالذات فيما يخص تقليله من روحانية المسيحية وسوء فهمه للعرفانية.

20) حول الختان: موسى والتوحيد / فرويد / ص 36 و 46 / أيضاً حول الختان وتحريم الخنزير: ص40

21) موسى والتوحيد / فرويد / ص 68 ـ 69

22) لمطالعة تفاصيل عمليات التهجير، راجع:

la Mesopotamie/Georges ROUX/P270-271

كذلك : فراس السواح / آرام دمشق / ص250 ـ 252

23) الاديان الحية / أديب صعب / ص129

24) ملامح التاريخ القديم ليهود العراق / أحمد سوسة / ص57 / كذلك فيليب حتى / ج2 / ص213

25) نفس المصدرين: سوسه / ص 125ـ126 / ثم حتي / ص 220

26) الاديان الحية / مصدر سابق / ص130

27 ) جميع هؤلاء الانبياء لهم مراقدهم في العراق وهي مقدسة من قبل المسلمين واليهود: مرقد حزقيال (ذي الكفل) قرب الحلة / مرقد العزير، في مدينة (العزير) في الجنوب / مرقد ناحوم في قرية (القوش ـ نينوى) / بالاضافة الى (يوشع) الكاهن في بغداد.

28) الاديان الحية / مصدر سابق / ص139

29) حول اتفاق الباحثين على كتابة التوراة في بابل، راجع: موسوعة وكيبيديا باللغات العربية والفرنسية والانكليزية (اليهودية)./ كذلك: فراس السواح / آرام ودمشق واسرائيل / ص 10 / كذلك دراسات منشورة في الانترنت، لكل من: الدكتور زغلول النجار / ود. علي حليل / اليهودية بين النظرية والتطبيق مقتطفات من التلمود والتّوراة / منشورا ت اتحاد الكتاب العرب 1997/ كذلك باللغة الفرنسية:

              L'histoire de la Bible : J. H. Alexander La Maison de la Bible          

              Sur les traces de la Bible : Dr W.J. Ouweneel La Maison de la Bible

30) تاريخ نقد العهد القديم / زالمان شازار / ص 93

31) فيليب حتي / تاريخ سوريا / ج2 / ص242 ـ245

32) كان يوم السبت لدى العراقيين اسمه (شباتم) وهو (يوم نواح لبيبي) أي (يوم راحة القلوب) / طالع: دراسات في التاريخ / فريحة / ص114

33) للاطلاع على تفاصيل الأثر البابلي في التوراة، راجع: من سومر الى التوراة / الفصل الرابع)/ كذلك: أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية / الاب سهيل قاشا / كذلك : كتاب المؤرخ الاسرائيلي : زلمان شازار / تاريخ العهد القديم / القسم الثاني.

34) الاديان الحية / أديب صعب / ص132

35) عزرا 10 : 3 ـ 5، 10 وما بعده / كذلك نحميا 13 : 35 / كذلك الاديان الحية ـ ص133

36) أنظر الموسوعة الفلسطينية / الأطماع الصهيونية في القدس/ تأليف عبد العزيز محمد عوض/ القسم الثاني/ المجلد السادس/ الطبعة الأولى بيروت 1990 ص860.‏

37) الترجمة الانكليزية تبلغ في (18) مجلداً طبعة لندن.

38) راجع: حتي / ج2 / م1 ص244 / كذلك الموسوعات العالمية: اليهودية.

39) حول الفروق بين عقيدتي العراقيين والمصريين، طالع: ماقبل الفسلفة / مجموعة باحثين غربيين.

كذلك طالع: الاسطورة والمعنى / السواح / فصل 4

40) موسى والتوحيد / فرويد / ص26 ـ 27/ كذلك: نائل حنون / عقائد ما بعد الموت في حضارة بلاد الرافدين / ص86

41) حول وصف عالم الموت في الديانة العراقية، طالع (ملحمة كلكامش) / اللوح السابع / العمود الرابع / اعتمدنا ترجمة السواح.

42) بالنسبة للعرفانية راجع القسم الاول من ملف المندائية في موسوعتنا هذه/ كذلك Catholic Encyclopedia > G > Gnosticism / كذلك من الذين ناقشوا أصل العرفانية بصورة واضحة ودافعوا عن أصلها المشرقي، المفكر السوري: جورج طرابيشي / مذبحة التراث / دار الساقي / بيروت 1993 / ص 73 ــ 129 / في هذا الكتاب رد طرابيشي بصورة مفصلة وناجحة على المفكر الجابري الذي نجح كثيراً بتفصيل العرفانية، لكنه احتقرها واعتبرها يونانية فارسية. طالع: محمد عابد الجابري / بنية العقل العربي / المركز الثقافي / الدار البيضاء 1986/ القسم الثاني فصل خاص بالعرفانية.

43) طالع أيضاً : مغامرة العقل الاولى / السواح / ص 235

44) يبدو ان هنالك نوع من الغش في ترجمة التوراة قد شاع وتم تقبله لدى المسيحيين والمسلمين، حيث ترجمت كلمتي (يهوه) و(ايلهم) الى (الله) أو(الرب).

45) دراسات في التاريخ / انيس فريحة / ص 47 - 43

46) ان عقيدة المخلص موجودة أيضاً لدى الكنعانيين لكن بصورة مخففة، ويتحول اسم (تموز) الى (بعل أو ادوني، ادونيس: السيد)، و(عشتار) الى (عشتروت). طالع: مغامرة العقل الاولى / السواح ص 272

47) لاحظ ان عيد الفصح المسيحي، أي يوم قيامة السيد المسيح من صلبه، هو تكرار لعودة تموز من موته، وأيضاً يصادف في المنقلب الربيعي!

48) الاديان الحية / مصدر سابق / ص131

49) اليد الخفية/ مصدر سابق / ص27

50) I .Shahak-Histoir Juive-Religion juive/Paris1994

صدر هذا الكتاب مترجماً الى العربية بعدة طبعات تحت اسم: اليهود واليهودية، ثلاثة آلاف عام من الخطايا / اسرائيل شاحاك.

51) اليد الخفية / مصدر سابق / ص319

52) الرحمن والشيطان، السواح / الفصل السادس

53) الرحمن والشيطان / السواح / ص156 ـ 157

54) اليد الخفية / مصدر سابق / ص 23 ـ 25

55) بسبب تعصبهم حاربوا السيد المسيح وطالبوا بصلبه.

56) وكان الخلاف من الحدة بين الطرفين، إن قامت حرب أهلية بينهم ولم تخمد إلاّ على يد الرومان عام 63 ق.م.

57) الدكتور عبدالرحمن السليماـ موقع جمعية الترجمة العربية 

ـ يشاع بان هذه (القبالا) من مصادر العقيدة السرية للحركة الماسونية العالمية.

58) اليد الخفية ـ عبد الوهاب المسيري ـ ص23

59) La Bible – Reperes Pratiques – Nathan-Paris1998 – P87

كذلك: الرحمن والشيطان / مصدر سابق / ص206 / كذلك : الاديان الحية / مصدر سابق / ص 157

60) Michaël Prior Bible and Colonialism: A Moral Critique

ـ الكتاب المقدس والاستعمار/ مصدر سابق

61) ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق / أحمد سوسه / ص: 193ـ 194

62) التنبيه والاشراف / ص 98 ـ 99 / المؤرخ العراقي العباسي (أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي).