(الشعوب الصاعدة)، هي التي تصنع وتقدّس (الزعماء الابطال المنتصرين)، و(الشعوب الهابطة) هي التي تصنع وتقدّس (الزعماء المنهزمين والشهداء الخائبين)!

ـ ان (كلمات الاغاني العربية) بغالبيتها الساحقة، تعبير خطير عن سيادة روح المذلّة والتضحية المجانية لدى شعوبنا، في التعامل مع اسمى شيء في الانسانية: عـــلاقات المحبّـــــــة!

iJcG9

سليم مطر ـ جنيف

 

ـ لو شبهنا (لعبة السياسة والكفاح) بـ(لعبة كرة القدم)، فهل يعقل ان نمجّد (اللاعب الفاشل الذي يتسبب بخسارة فريقه) وجلب الهزائم لجماهيره وتدمير بيوتهم وتشريدهم، حتى لو(سقط شهيدا في ساحة الملعب)؟؟!!

ـ جميع انواع الموت، بما فيها (الاستشهاد)، هي (انتحار غير معلن) بسبب اليأس من الحياة والاقرار بالهزيمة وإدراك لفشل المشروع المعلن. معنى هذا ان اي(شهيد) هو في اعماقه قد اقتنع تماما بخطيئته وسذاجته لانه وثق وتعاون مع من خانوه وباعوه لقاء مصالحهم.

ـ مجمل جماعات وشعوب الارض، تمجد ابطالها وزعمائها وتخلق منهم رموزا تاريخية شعبية.. وطنية.. دينية، تهتدي بها. لكن عموما ان (الشعوب الطموحة الصاعدة) تميل لصنع وتمجيد (الزعماء المنتصرين) الذين نجحوا فعلا بتحقيق وعودههم ومشاريعهم المعلنة. اما (الشعوب المسكينة الهابطة) فأنها لا تكلّ عن صنع وتمجيد( الزعماء الفاشلين المنهزمين) واعتبارهم(ابطال شهداء).

ـ (الزعماء الحقيقيون)، هم الذين يجمعون بين (القوة والحكمة) مع(امتلاك الضمير الوطني) الذي يجعلهم يحرصون قبل كل شيء على (سلامة الشعب) وعدم التضحية به قربانا لمغامرات طائشة غايتها ارضاء (بطولة نرجسية طفولية) و(خدمة لمصالح خارجية) طائفية، عقائدية، سلطوية.

 

هاكم بعض النماذج الايجابية من تاريخنا:

ـ النبي محمد: هو فعلا (زعيم بطل) يستحق التمجيد وحتى التقديس، لانه رغم كل ظروفه البدائية، قد نجح بنشر(دعوة ودين عالمي جديد) ثم (تحقيق دولة جديدة) كانت اساسا لاعظم (امبراطورية وحضارة عربية اسلامية). ان افضل مثال على مدى حنكته ومرونته الزعامية، انه بعد(فتح مكة) قال قولته المفاجأة والشهيرة التي تنم عن حكمة ودهاء: (من دخل دار ابي سفيان، فهو آمن)! لانه ادرك ، بانه لو انصاع لمشاعره الانتقامية ضد هذا الزعيم الخطير وعدوه اللدود، فأنه سوف يتسبب بحرب اهليه تسبب الخراب لشعبه، وربما يخسر كل مشروعه الديني والسياسي.

ـ معاوية بن ابي سفيان: مهما اختلف الناس حول تفاصيل حكمه ومظالمه، فأنه موضوعيا وحياديا، قام باعظم انجاز تاريخي عالمي، بتأسيسه (الامبراطورية الاموية) التي نشرت دين الاسلام والعربية من حدود فرنسا الى حدود الصين. كل هذا لانه كان معروفا بالحكمة والدهاء التي ساعدته على (كسب خصومه) أو الانتصار عليهم بأقل الخسائر.

ـ (النبي عيس المسيح) نموذج خاص للزعيم البطل الايجابي: لأنه رغم(استشهاده على الصليب) الذي يمكن ان يبدو نوعا من (الهزيمة)، الا ان هذا الفعل، ظهر مع التاريخ انه كان (بطولة حقيقية وانتصارا عظيما)، لأسباب عدة اهمها:

ـ ان عيسى المسيح، ظل وفيا لـ(مشروعه المعلن) فهو ابدا لم يدع الى حرب ولا الى اقامة دولة ونظام، بل كان مشروعه (تصوفي زهدي) يدعو الى(هجر الحياة الدنيا) من اجل (نعيم الآخرة)، وقد حققق بنفسه دعوته هذه. 

ـ انه في استشهاده، لم (يورط) اي انسان معه، لا من انصاره ولا من شعبه، ولم يتسبب بهدم بيوت وتشريد بشر وتخريب مدن باكملها. فهو ابدا لم يدع ابدا للكفاح والتضحية بالنفس، بل هو بكل اخلاص لضميره وتواضع، ضحى بنفسه مقتنعا بأنه (يساهم بتطهير نفوس ألمؤمنين وعموم البشرية)!

اما ما قام به بعده انصاره، فهو امر آخر لا يخصه مباشرة.

اي ان حكاية استشهاد(عيسى) هي مناقضة تماما لحكاية استشهاد ذلك (الامام المسلم) الذي بكل غرابة اختار(الاستشهاد مع عائلته وابنائه واخوته وانصاره). والغريب ان تبلغ القسوة واانعدام الضمير بانصاره حاليا بتقديم هذا التبرير اللا إنساني: لقد اختار مسبقا وعن قصد التضحية بنفسه وعائلته معه من اجل هزّ ضمير الامة؟؟؟!!!([1])

 

ولنا نماذج معاصرة لـ(زعماء ناجحين) من البلدان المجاورة، وباقي العالم:

ـ الرئيس التركي اردوغان: يمكن القول انه(ناجح بالنسبة لبلاده تركيا) لانه حقق الاستقرار والازدهار وجنبها الحروب الداخلية والخارجية وتهدئة الاوضاع في المناطق الكردية والعلوية التركية. مع قدرة كبيرة على المراوغة والدبلوماسية، من خلال(البقاء في حلف الناتو الغربي) وبنفس الوقت علاقة ايجابية مع (روسيا) ومع(ايران) و(عز/ را/ييل).

لكنه دون شعور، قد انقاد الى (النزعة التاريخية الاناضولية: الحيثية ثم البينزنطية ثم العثمانية) للسيطرة على (العالم العربي)، فاضطر الى (ارضاء الشيطان الاكبر) من خلال خلق( دا/حش) وتسليطها على العراق وسوريا، وكذلك اشعال الحرب الاهلية في سوريا، ومحاولة اشعالها في(مصر).

ـ الخميني: هو(زعيم نصف ناجح) بالنسبة لبلاده ايران، لانه حقق مشروعه بتغيير الدولة وفرض نظام الملالي. لكن خطيئته انه لم يمتلك الحكمة الكافية كي يجنب شعوب ايران الاضطرابات والمغامرات من خلال تجنّب (شعار تصدير الثورة) و(تغذية المخاوف والاحقاد الطائفية) في البلدان العربية. والسبب لان زعماء هذا النظام، دون شعور قد انقادوا للغريزة التاريخية لايران، بالعمل على السيطرة على المشرق العربي، وخوض الحرب المدمرة مع العراق، وخلق زعامات شيعية تابعة في المنطقة، وشحن الحقد الطائفي والتقسيمي واضعاف الدول من خلال تسليط الميليشيات ونشر الفساد السياسي والمالي والاخلاقي والمخدراتي.

ـ الزعيم الكوبي كاسترو: يستحق فعلا لقب(زعيم بطل) لانه نجح في مشروعه واستمر به نظامه حتى الآن، رغم انه مجاور لاشرس دولة معادية الا وهي امريكا. 

 

كذلك هنالك الزعماء المغامرين الفاشلين الذين جلبوا الخراب لشعوبهم:

ـ نابليون: الذي كلفت مغامراته الحربية (1792 ـ 1815) ابتدءا من غزو مصر حتى غزو روسيا، اكثر من (ثلاثة ملايين) من الضحايا الفرنسيين والاوربيين، والتي انتهت مرتين بهزميته واعتقاله حتى مات منكسرا ذليلا في معتقله البريطاني في (جزيرة هيلانة).([2])

ـ هتلر: الذي كان يمكن ان يصبح زعيما بطلا، لو بقي على اصلاحاته الكبرى في المانيا بين 1933 حتى اعلان حربه العالمنية عام 1939. اذ نقلها من بلد محطم مكبل بالسيطرة الاوربية على مقدراته بعد خسارة الحرب العالمية الاولى، الى بلد ناهض بقوة اقتصادية وعسكرية عظيمة. لكن غروره ونرجسيته الجنونية جعلته يغامر باعلان حربه التي انتهت بتدمير المانيا تماما، والتضحية بحوالي 60 مليون اوربي.

   ـ (جيفارا): نموذج للبطل النرجسي الطفولي الذي يستحق الرثاء بدلا من التقديس. إذ هجر منصبه في كوبا ورفيقه (الزعيم البطل كاسترو)، وراح مثل (التاجر الثوري) يبحث عن(افضل وارخص بلد للثورة) حتى وجد(بوليفيا). هناك في الغابات راح مع عصابته يقتنص الجنود المساكين، حتى تم القضاء عليه عام 1967. لكن الشعوب المسكينة لا زالت تعتبره (ثائرا بطلا) وشبيها بـ(المسيح)!؟([3])

اما اوضح (نموذج) يمثل خلاصة كاملة ومتطرفة لـ(الزعيم الفاشل) الذي لا زال الكثير من العرب يبجلونه باعتباره (بطل شهيد)!!؟؟:

ـ صدام حسين: الذي عندما استولى على الدولة العراقية عام 1979، قام باولى (بطولاته) عندما خان واعدم رفاقه زعماء حزبه الذي يقود الدولة منذ عشر سنوات وكان قد حقق خلالها الكثير من التطورات الايجابية. اما الانجاز الثاني لـ(صدام)، عندما انقاد لتهوره المعتاد، فتورط في(الحرب مع ايران) التي تم خلالها تدمير كل ما انجزه العراق خلال اجيال كاملة. واكتمل تهوره عندما تورط في اجتياح الكويت والتسبب بكارثة كبرى للكويت وللعراق ولعموم المنطقة وتدمير الجيش العراقي على يد أ/مر/ي/كا. وبلغت به (بطولته!؟) انه ظل مصرا على البقاء في السلطة بالنار والحديد، لقاء التنازل الكامل عن شمال العراق، والقبول بالحصار الدولي الفضيع، وفتح ابواب الاذلال الوطني امام لجان التفتيش وصواريخ أ/مر/ي/كا. حتى اصبح العراق شعبا ودولة مسلولا مشردا محتضرا، كي يدخل (جيش الخلاص الام/ري/ك/ي) عام 2003 ويطلق عليه رصاصة الرحمة ويسلم جثته الى (ميليشيات ايران والاكراد) كي تستمر حتى ألآن عملية بيع اعضائه في مختبرات الفساد والتدمير المنظم للشعوب.

 

نعم، ان الشعوب الطامحة الصاعدة، هي التي تتخلص من (النزعة المازوخية) بتمجيد(الزعماء النرجسيين المتهورين الفاشلين المضحين بشعوبهم)، وتبدأ بصنع وتمجّيد(الزعماء الاقوياء الحكماء اصحاب الضمائر الوطنية) الذين فعلا يستحقون لقب(ابطال)، أحياء طبعا، وليس شهداء مهزومين...

ـ لنطبق على(الزعماء) الحديث المعروف:

(رحم الله امرئ عرف قدرنفسه فلزمه، وعرف حده فوقف عنده)..

أي ان يكون(حكيما) يعرف مقدراته وظروفه، ولا ينقاد لنرجسيته البطولية ويورط نفسه وشعبه في مغامرات كوارثية.

ولكن هذا لا يعني ابدا ان يكون جبانا خنوعا يبيع ضميره وشعبه للشياطين..

ان خير الامور اوسطها... وهنا تكمن حكمة وذكاء الزعيم الحقيقي

*   *    *

15542217 1232093836868471 5012215250178937792 n

اذا اردت ان تعرف عقلية شعب، فادرس اغانيه وامثاله. لانها اكثر المجالات التثقيفية والتربوية التي تمس ضمير وعواطف البشر، وهي تمس الجميع نخب وشعب، كبار وصغار، نساء ورجال. لهذا فأنها مجال يستحق كثيرا كثيرا الدراسة والاهتمام..
هاكم هذه بعض الاغاني العربية، كمثال للتوضيح، والتي تسود فيها اجواء المازوخية الداعية للمذلة والتجريح والتضحية المسكينة، ويمكن البحث عن كلماتها في الانترنت. مع تأكيدنا بأننا نقدر تماما القيمة الفنية والمشاعرية لهذه الاغاني:

ـ اغنية العراقي (سعدون جابر): زغيرون: ولازمتها المكررة:  نذر لاخيط عيوني لمن يرجعون!

ـ اغنية محمد عبد الوهاب: بفكر فى اللى ناسينى/ وبنسى اللى فاكرنى/ وبهرب من اللى شارينى/ وادور عاللى بايعنى

ـ اغنية وقصيدة نزار قباني: (نهر الاحزان) وهي تعبير متطرف عن هذه المازوخية المدمرة، ويمكن اعتبار كلماتها نموذج واضح لكلمات غالبية الاغناني العربية:
إني لا أملكُ في الدنيـا إلا عينيـكِ ..و أحزاني..  فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ لا أعرفُ في الأرضِ مكاني..  ضيّعـني دربي.. ضيّعَـني اسمي.. ضيَّعَـني عنـواني..  تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ إنـي نسيـانُ النسيـانِ إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو جـرحٌ بملامـحِ إنسـانِ.. الخ

كي نبين لكم بأننا لا ندعوا الى اغاني فلسفية ملتزمة معقدة، بل الى اغاني طبيعية لا تهين النفس وتحط من الكرامة الانسانية.
هاكم هذه بعض النماذج الناجحة المعروفة:
ـ هذه واحدة من اجمل واذكى الاغاني العربية الخالدة، للاطفال وللكبار، للمصري محمد فوزي:
https://www.youtube.com/watch?v=dj8qHP1I8j4&ab_channel=AhmedHafez
ـ عن(المحبة الاخوية)، للعراقي محمود انور:
https://www.youtube.com/watch?v=YgafU31Fd2Y&ab_channel=HadiHage
هذه ايضا واحدة من اجمل الاغاني الجزائرية والعربية التي تدعو الى عدم الانخداع باحلام الهجرة، وهي للراحل رشيد طه، وقد اعاد غنائها عدة مطربين عرب:
https://m.youtube.com/watch?v=X_KuZTyXVUc&pp=ygU72KfYutmG2YrYqSDZitin2LHZititINmI2YrZhiDZhdiz2KfZgdixINmF2Lkg2KfZhNmD2YTZhdin2Ko%3D 

 

المصادر المفيدة:
ـ عن تاريخ التوسع الاحتلالي في منطقتنا من ايران والاناضول(تركيا) طالع دراستنا:

https://www.salim.mesopot.com/hide-feker/165-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D8%A9-%D8%A2%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A.html

[1] ـ ابحث عن هذه دراسة المهمة والغنية جدا عن تفاصيل ثورة الحسين:
ـ حقائق غائبة حول استشهاد الحسين وأحداث كربلاء / علي محمد الصلابي

ايضا ابحث عن هذه المقالة التبريرية لاحد الكتبة المساكين:

ـ كيف يأخذ الامام الحسين(ع) عائلته مع علمه بأستشهاده/ موقع منتدى الكفيل

[2] ـ عن عدد ضحايا حروب نابليون، ابحث، في ويكيبديا:
بالانكليزي:
Napoleonic Wars casualties

بالفرنسي: Pertes humaines lors des guerres napoléoniennes

كذلك بالعربي هنالك مواضيع كثيرة عن نابليون

[3] ـ عن حرب جيفارا، ابحث عن: حرب عصابات نانكاهوازو

كذلك كتاب: مذكرات أرنستو تشي جيفارا pdf